أبو الحسن علي الحسني الندوي عالم كبير، وداعية عظيم، ومفكر إسلامي، ولد في ٥ ديسمبر عام ١٩١٣م في قرية تكية كلان، بمديرية راي بريلي، أترا براديش، الهند. ترعرع في أسرة علمية عريقة، ونشأ على المنهج الإسلامي، حيث كان أبوه، العلامة سيد عبد الحي الحسني الذي لقب ب ”ابن خلكان الهند“ من أعلام عصره، وكانت أمه مربية فاضلة، ومؤلفة لكتب قيمة.
ينحدر أبو الحسن الندوي من أصل عربي يرجع نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب. توفي والده وهو صغير، فاعتنت به أمه، وتولى رعايته أخوه الأكبر، الدكتور عبد العلي الحسني. تعلم القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة في بيته، ثم تعلم اللغة الأردية، والفارسية، والإنجليزية.
أقبل أبو الحسن الندوي منذ شبابه على مطالعة كتب الأدب، حتى التحق بجامعة لكناؤ في عام ١٩٢٧م، ليدرس الآداب العربية. ثم واصل مسيرته العلمية، والتحق بدار العلوم – ندوة العلماء عام ١٩٢٩م، ودرس فيها علوم الحديث والتفسير على أيدي كبار العلماء، ثم رحل إلى دار العلوم ديوبند وحضر دروس الشيخ حسين أحمد المدني.
عُيّن الشيخ أبو الحسن الندوي مدرسًا في دار العلوم لندوة العلماء عام ١٩٣٤م، وكان حينها قد بلغ من العمر عشرين عامًا. وهناك، ومع انشغاله بالتدريس، انفتحت أمامه آفاق المعرفة الواسعة، فاستفاد كثيرا من المجلات والكتب العربية والإنجليزية والأردية في مجالات شتى مما جعل أفقه يتسع، ومداركه تتطور. فشغفه بالقراءة والمطالعة ساعده في صقل فكره، وتطوير شخصيته، وكتاباته في الموضوعات الفكرية والعلمية والتاريخية، وتأليفاته في المجالات المتنوعة.
إسهاماته: اشتغل العلامة الندوي بالصحافة وأصدر مجلات كثيرة، فإنه ساهم في تحرير مجلّة الضياء، وترأس تحرير مجلّة الندوة العلمية، ومجلّة معارف، ونداي ملت. كما أشرف على مجلة البعث الإسلامي، و جريدة الرايد، ومجلة تعمير حيات. كذلك، كلف العلامة بوضع مناهج البكالوريوس والماجستير في جامعة عليكرة الإسلامية، وألف كتابا سماه الإسلاميات.
- أسس مركزا للتعليمات الإسلامية لتنظيم حلقات القرآن الكريم والسنة النبوية عام ١٩٤٣.
- أسس حركة رسالة الإنسانية بين المسلمين والهنود عام ١٩٥١.
- أسَّس المجمع الإسلامي العلمي بلكناؤ في ١٩٥٩.
- شارك في تأسيس هيئة التعليم الديني للولاية الشمالية عام ١٩٦٠.
- شارك في تأسيس هيئة الأحوال الشخصية الإسلامية لعموم الهند ١٩٧٢.
- عين أمينا عاما لدار العلوم ندوة العلماء عام ١٩٦١.
- شارك في تأسيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية ١٩٨٦.
- دعي كأستاذ زائر إلى جامعة دمشق في عام ١٩٥٦.
جهوده: كان العلامة أبو الحسن علي الحسني الندوي من كبار المصلحين في القرن العشرين، وقد جمع في جهوده بين التعليم والدعوة والتأليف. ركّز في إصلاح المجتمع على تربية الفرد المسلم تربية إيمانية صحيحة، وذلك عن طريق خطبه المؤثرة التي كان يدعو بها الناس إلى الرجوع إلى القرآن والسنة، والابتعاد عن تقليد الغرب والتأثر بالمادية. كما كان يرى أن إصلاح الأمة يبدأ من إصلاح التعليم، لذلك وضع مناهج تربوية إسلامية مثل قصص النبيين والقراءة الراشدة لتنشئة الجيل الجديد على القيم الإسلامية.
لم يقتصر عمله على التعليم والدعوة فقط، بل اهتم أيضًا بالأدب والفكر ، فأسس رابطة الأدب الإسلامي العالمية ليجعل الأدب وسيلة لخدمة الدين وبناء القيم. كما كتب كتبًا فكرية مثل ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين وإلى الإسلام من جديد ليوضح فيها أن ضعف الأمة سببه الابتعاد عن الدين. وفي خطبه وكتاباته كان يخاطب العرب خاصةً، كما كتب إسمعيات موجها إلى الأمة العربية، ويدعوهم إلى الدين الصحيح السليم الذي خلفه نبينا محمد، فيذكّرهم بأن عزّهم في الإسلام، وأن عليهم أن يقودوا الأمة كما فعل أسلافهم في صدر الإسلام.
إنجازاته:
- عضو لمجمع اللغة العربية بدمشق.
- عضو لمجمع اللغة العربية بالقاهرة.
- عضو لمجمع اللغة العربية بالأردن.
- عضو في المجلس الاستشاري الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة منذ عام ١٩٦٢.
- عضو في رابطة الجامعات الإسلامية بالرباط، المغرب منذ ١٩٧١.
- منحت شهادة الدكتوراة الفخرية في الآداب من جامعة كشمير عام ١٩٨١.
- رئيس لمركز أكسفورد للدراسات الإسلامية بلندن عام ١٩٨٣.
- عضو في المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية وللبحث والتأليف والتحقيق في عمان، الأردن.
- رئيس العام لرابطة الأدب الإسلامي العالمية عام ١٩٨٤.
- رئيس لهيئة الأحوال الشخصية الإسلامية لعموم الهند.
تكريماته:
- جائزة الملك فيصل العالمية في خدمة الإسلام عام ١٩٨٠.
- جائزة الشخصية الإسلامية من حكومة دبي عام ١٩٩٨.
- على جائزة السلطان حسن البلقية سلطان بروناي للدراسات الإسلامية عام ١٩٩٨.
- جائزة الإمام ولي الله الدهلوي من معهد الدراسات الموضوعية في الهند عام ١٩٩٩.
- وسام الإيسسكو من الدرجة الأولى من المنظمة العربية الإسلامية.
رحلاته: سافر العلامة أبو الحسن الندوي إلى كثير من البلدان في آسيا وأفريقيا وأوربا كداعية كبير، ومفكر إسلامي، ومحاضر رنان، ومحاور بليغ، وواعظ مؤثر. كذلك، شارك في المؤتمرات، والندوات، والحفلات الوطنية والعالمية داخل الهند وخارجها. فإنه زار الحجاز مرتين في عام ١٩٤٨ و ١٩٥١، كما قصد مصر ودمشق في العام نفسه، ولبنان في عام ١٩٥٦، والكويت في عام ١٩٦٢، الإمارات العربية المتحدة في عام ١٩٧٦، وقطر في عام ١٩٧٩، والأردن في عام ١٩٨٤، إلى جانب السودان، وتركيا، وبغداد وغيرها. ولم تقتصر رحلاته على العالم الإسلامي، بل امتدت إلى أوروبا، حيث زار إسبانيا، ولندن، وباريس، وغيرها حاملا رسالة الإسلام بروح مخلصة وكلمة صادقة.
أقوال العلماء فيه:
قال العالم الكبير، الدكتور مصطفى السباعي: ”…الأستاذ أبو الحسن الندوي…هو عالم مصلح، وداعية مخلص، دأب منذ آتاه الله العلم بقلمه ولسانه، وبرحلاته المتعددة إلى أقطار العروبة والإسلام، وبجولاته الموفقة في ميادين الدعوة، حتى إنه اليوم ليعد من أبرز أعلام الإسلام المصلحين في ديار الهند، له تلاميذه المنتشرون في كل بلد، وله كتبه ومؤلفاته التي تتميز بالدقة العلمية، وبالغوص العميق في تفهم أسرار الشريعة، وبالتحليل الدقيق لمشاكل العالم الإسلامي ووسائل معالجتها، عدا عما يمتاز به من روح مشرقة، وخلق نبوي كريم، ومعيشة تذكرك بعلماء السلف الصالح في زهده وتقشفه وعباداته وكرامة نفسه.“ (تقديم كتاب رجال الفكر والدعوة في الإسلام-أبو الحسن الندوي، ص ٨)
قال العلامة الدكتور يوسف القرضاوي: ”هو رجل راسخ الإيمان، قوي اليقين، شديد الخشية لربه، عامر القلب بحبه، زاهد في الدنيا، مشغول بالآخرة، حسن الخلق، عف اللسان، غيور على دينه، حامل لهموم أمته، غائب عن حظ نفسه، كأنما استل من القرن الأول استلالا، ليوضع في زمننا هذا، هو بقية من السلف، وهدية إلى الخلف، وهو رباني الأمة بحق، فهو يعيش في هذه الدنيا بقلب من أهل الآخرة، ويمشي على الأرض وعينه ترنو إلى السماء. وهذا ما جعل كثيرا من الناس -وأنا منهم- يتقربون إلى الله تعالى بحبه“. (الشيخ أبو الحسن علي الندوي كما عرفته-الدكتور يوسف القرضاوي، ص ١٤٨)
قال الأديب الكبير والداعية الشهير، سيد قطب فيه: ”عرفته في شخصه وفي قلمه، فعرفت فيه القلب المسلم والعقل المسلم، وعرفت فيه الرجل الذي يعيش بالإسلام وللإسلام على فقه جيد للإسلام. (تقديم كتاب قصص النبيين-أبو الحسن الندوي، ج ٣، ص ٣)
قوله الشهير:
”اسمعوها مني صريحة أيها العرب: بالإسلام أعزكم الله، لو جمع لي العرب في صعيد واحد واستطعت أن أوجه إليهم خطابا تسمعه آذانهم وتعيه قلوبهم لقلت لهم: أيها السادة، إن الإسلام الذي جاء به محمد العربي صلى الله عليه وسلم هو منبع حياتكم، ومن أفقه طلع صبحكم الصادق، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو مصدر شرفكم وسبب ذكركم، وكل خير جاءكم -بل وكل خير جاء العالم- فإنما هو عن طريقه وعلى يديه، أبى الله أن تتشرفوا إلا بانتسابكم إليه وتمسككم بأذياله والاضطلاع برسالته والاستماتة في سبيل دينه، ولا راد لقضاء الله ولا تبديل لكلمات الله.“
إن العالم العربي بحر بلا ماء كبحر العروض حتى يتخذ محمدا صلى الله عليه وسلم إماما وقائدا لحياته وجهاده، وينهض برسالة الإسلام كما نهض في العهد الأول، ويخلص العالم المظلوم من براثن مجانين أوروبا -الذين يأبون إلا أن يقبروا المدنية وقضوا على الإنسانية القضاء الأخير بأنانيتهم واستكبارهم وجهلهم- ويوجه العالم من الانهيار إلى الازدهار، ومن الخراب والدمار والفوضى والاضطراب إلى التقديم والانتظام والأمن والسلام، ومن الكفر والطغيان إلى الطاعة والإيمان، وإنه حق على العالم العربي سوف يسأل عنه عند ربه فلينظر بماذا يجيب“.
مؤلفاته: إذا هبت ريح الإيمان، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، رجال الفكر والدعوة في الإسلام، الطريق إلى المدينة، إلى الإسلام من جديد، في مسيرة الحياة، القادياني والقاديانية دراسة وتحليل، مذكرات سائح في الشرق العربي، روائع إقبال، ربانية لا رهبانية، الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الأقطار الإسلامية، إسمعيات وغيرها.
توفي أبو الحسن الندوي في ٣١ ديسمبر ١٩٩٩م في قرية تكية كلان، بمديرية راي بريلي، أترا براديش، الهند. وبوفاته فقدت الأمة الإسلامية واحدًا من أبرز علمائها ومصلحيها في القرن العشرين، غير أن آثاره العلمية والفكرية ستبقى حيّة، تخلّد اسمه، وتضيء الدرب للأجيال القادمة.