الاتجاهات الجديدة في العصر الحديث

الشعر له أهمية كبيرة وأثر بالغ يجسد المعاني السامية في ألفاظ رشيقة وعبارات موجزة، وكان العرب يفتخرون بولادة شاعر في أسرهم، ويعقدون المناسبات والحفلات، ويصنعون المأكولات والمشروبات، لأن الشاعر كان يدافع عن قبيلته، ويفتخر بأجداده وأنسابه، ويذكر المكارم والمحاسن. ووصف إبن الرشيق القيرواني بفرط سرورهم: ”كانت القبائل من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها، وصنعت الأطعمة، واجتمعت النساء يلعبن بالمزاهر كما يصنعن في الأعراس، ويتباشر الرجال والولدان، لأنه حام لأغراضهم، ذاب عن أحسابهم، ومخلد لمآثرهم، ومشيد بذكرهم“.   

عبر العصور، نشأ عديد من المدارس والحركات الأدبية. ومن أهمها ما نشأت في العصر الحديث بسبب احتكاك العرب بالغرب، وتأثر أدباء العرب بالأدب الغربي، والتطورات والتنميات في العالم كله. وبعضها ما يلي: 

الكلاسيكية الجديدة

إن الكلاسيكية الجديدة تسمى أيضا بتيار المحافظين، ومدرسة الإحياء والبعث، ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكان رائدها الشاعر الكبير، رب السيف والقلم، محمود سامي البارودي. بعثت هذه المدرسة حياة جديدة في الشعر العربي بعد سنوات من الجمود والتعطل في الأدب العربي، وأعطته قوالب جديدة متبعة بالأوزان والقوافي. ركزت هذه المدرسة على الأصول القديمة، وقرضت الأشعار فيها على منوال الشعراء القدماء في الأوزان والقوافي، والموضوعات والأغراض، وفصاحة الألفاظ وبلاغتها، ومتانة التركيب وجزالته. قرض شعراء هذه المدرسة في الأغراض التقليدية مثل الفخر، والغزل، والمدح، والحكمة وغيرها، كما أضافوا بعض الموضوعات الجديدة مثل الشعر الوطني، والشعر الاجتماعي، والشعر السياسي. ومن أهم رواد هذه المدرسة أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وأحمد محرم، ومعروف الرصافي، وجميل الصدقي الزهاوي. 

قصيدة محمود سامي البارودي:

لك روحي فاصنع بها ما تشاء 
  فهي مني لناظريك فداء
لا تكلني إلى الصدود فحسبي  
  لوعة لا تقلها الأحشاء
أنا والله منذ غبت عليل      
   ليس لي غير أن أراك دواء
كيف أروي غليل قلبي ولم يب 
   ق لعيني من بعد هجرك ماء
فترفق بمهجة شفها الوج    
     د وعين أخنى عليها البكاء
أنا راض بنظرة منك تشفي
       برح قلب هاجت به الأدواء
نظرة ربما أماتت وأحيت    
      ومن الخمر علة وشفاء

الرومانسية

ظهرت حركة الرومانسية في أوائل القرن العشرين نتيجة لاتصال الثقافة العربية بالثقافات الأخرى من خلال البعثات والرحلات إلى الدول الأخرى، وكان رائدها مطران خليل مطران. امتازت الرومانسية بالتعبير عن المشاعر والأحاسيس التي تختلج ببالنا، ووصف الطبيعة والواقعية التي يعاني بها الإنسان، واللذان كانا مفقودين في الشعر الكلاسيكي، مما دفع الأدباء والكتاب إلى قبول هذه الحركة وتجديد أساليبهم الأدبية. وتعد هذه الحركة مرحلة إنتقالية من الكلاسيكية إلى الرومانسية، حيث برزت إثر هذه الحركة مدارس وحركات رومانسية عديدة مثل الأدب المهجر، ومدرسة الديوان، ومدرسة أبولو وغيرها. رفضت الرومانسية القيود التقليدية، وأعطت الحرية للتعبير عن المشاعر والخوالج، وتخلت عن الأوزان والقوافي، وتوسعت الأغراض وموضوعاتها، وتميزت بسهولة الألفاظ وعذوبتها، حتى ظهر شعر الحر والأنواع الأخرى للشعر.

تتميز الرومانسية بالهروب عن الواقع، والتمرد على العقل والمنطق، والتعبير عن المشاعر والأحاسيس، ووصف الطبيعة والخيال، وبيان التجارب والخوالج. ومن رواد هذه المدرسة: جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة، إيليا أبو ماضي، أبو القاسم الشابي، عباس محمود العقاد، أحمد زكي أبو شادي وغيرهم. 

قصيدة ”المساء“ لمطران خليل مطران:

داء ألم فخلت فيه شفائي
من صبوتي فتضاعفت برحائي
قلب أذابته الصبابة والجوى
وغلالة رثت من الأدواء
والروح بينهما نسيم تنهّد
في حالي التصويب والصعداء
والعقل كالمصباح يغشى نوره
كدري ويضعفه نضوب دمائي
يا كوكبًا من يهتدي بضيائه
يهديه طالع ضلّة ورياء
يا موردًا يسقي الورود سرابه
ظمأً إلى أن يهلكوا بظماء
يا زهرة تحيي رواعي حسنها
وتميت ناشقها بلا إرعاء

الواقعية

ظهرت الواقعية في الربع الأول من القرن العشرين كردة فعل على الرومانسية، حيث حاولت الرومانسية الهروب عن الواقع، ووصف الطبيعة والخيال. ظهرت الواقعية كحركة حقيقية تعتني بالأحوال الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وكل ما كان يواجه المجتمع من المشاكل والأمراض كالبطالة والفقر والظلم والفساد. وإن الكتاب والأدباء لهذه المدرسة استخدموا لغة سهلة واضحة يفهمها الجميع بسبب ما فيه من الحقائق والوقائع للحياة. ومن أهم رواد هذه المدرسة: نجيب محفوظ، محمود تيمور، عبد الرحمن الشرقاوي، حنا مينا، بدر شاكر السياب، عبد الوهاب البياتي وغيرهم. 

قصيدة ”أنشودة المطر“ لبدر شاكر السياب: 

عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
أو شرفتان راح يَنْأى عنهما القمر
عيناك حين تبتسمان تورق الكروم
وترقص الأضواء كالأقمار في نهر
كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم
وقطرة فقطرة تذوب في المطر
وكرْكر الأطفال في عرائش الكروم
ودغدغت صمت العصافير على الشجر

الرمزية

 تعد المدرسة الرمزية من أشهر المدارس نالت سمعة طيبة بين الأدباء والشعراء، ظهرت كردة فعل على الواقعية، حيث يلجأ فيها الشاعر إلى وصف الأشياء من خلال الرموز والإشارات والتلميحات، ويعبر عما في نفسه بشكل غير مباشر. تمتاز هذه المدرسة بوجود الغموض، والخيال الدقيق، والرمزية المشتبكة التي تثير التأويلات المختلفة لدى القراء مما يشمل الآخرين في نصها. وكان أدخل سعيد عقيل هذه المدرسة إلى الأدب العربي من الأدب الفرنسي. ومن الرواد الآخرين للرمزية: بشر فارس سعيد، ويوسف الخال، وأحمد معطي الحجازي، ونزار قباني، ومحمود درويش وغيرهم. 

قصيدة ”عاشق من فلسطين“ لمحمود درويش:

عيونك شوكة في القلب
توجعني… وأعبدها
وأحميها من الريح
وأغمدها وراء الليل والأوجاع… أغمدها
فيشعل جرحها ضوء المصابيح
ويجعل حاضري غدها
أعز علي من روحي
وأنسى، بعد حين، في لقاء العين بالعين
بأنا مرة كنا، وراء الباب، اثنين !

Scroll to Top