العلاقات العربية الهندية تتأصل جذورها في قديم الزمان، فشاعت حولها الروايات، وتعددت الأقوال، وترددت الحكايات حول قدامة العلاقات بين كلا البلدين، بالإضافة إلى قدسيتهما وأهميتهما، قال العالم الكبير، محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في الملل والنحل: كبار الأمم أربعة: ”العرب، والعجم، والروم، والهند“. وأضاف قائلا: ”أن العرب والهند يتقاربان على مذهب واحد، وأكثر ميلهم إلى تقرير خواص الأشياء والحكم بأحكام الماهيات والحقائق، واستعمال الأمور الروحانية“. (الملل والنحل-الشهرستاني، ص ١٨)
وعلى صفحة الجغرافيا، لا يفصل بين الهند والعالم العربي إلا خط أزرق يسمى بحر الهند، فإنه كان معبرا للسفن والقوافل، وجسرا للتبادل التجاري، والحضاري، والثقافي، وملتقى لثقافتين غنيتين، تطورت حوله تجارة مزدهرة، وتلاقت على ضفافه ثقافتين قويتين، ونشأت حضارتين كبيرتين.
قال الدكتور محي الدين الألوائي: ”إن المناطق الساحلية الشمالية والغربية لشبه القارة الهندية تواجه المناطق الجنوبية والشرقية لشبه جزيرة العرب، ولا يحول بينهما إلا بحر العرب، ويرجع إلى هذا البحر الفضل الكبير فيما قام بين هذين القطرين من روابط وثيقة متعددة النواحي منذ فجر التاريخ في ازدهار ونمو واستمرار إلى يومنا هذا“. (الدعوة الإسلامية وتطورها في شبه القارة الهندية- الدكتور محي الدين الألوائي، ص ٣٨)
العلاقات التجارية
وقبل كل شيء، يرجع تاريخ العلاقات بين الهند والعالم العربي إلى العلاقات التجارية حيث كان هناك تبادل تجاري بينهما منذ عهد يوسف عليه السلام، مرورا بعصور الرحالة والتجار أمثال فاسكودي غاما وماركوبولو، حتى اضمحلت التجارة عقب استيلاء اليونان على مصر وسيطرتهم على طرق التجارة. وللعرب تاريخ قديم وعريق في التجارة حيث ما كانت شبة الجزيرة العربية خصبة إلا بعضا من مناطقها، ولتلبية حاجاتهم اليومية كانوا يعتمدون على البضائع والأمتعة المستوردة من الدول المجاورة، فازدادت التجارة فيهم ونمت حتى أصبحت أكبر وسيلة للكسب والمعيشة.
فإن التجارة كانت تتم بين الهند والعرب عن طريق ذكره سيد سليمان الندوي: ”أن السفن كانت تنطلق من سواحل الهند وترسو في ميناء اليمن، ثم كانت تحمل بضائعها وتجاراتها على الجمال إلى بلاد الشام، ومصر عن الطرق البرية الموازية لسواحل البحر الأحمر، ومنها كانت تصدر إلى أوربا عبر بحر الروم“. (العلاقات بين الهند والعرب في أغوار التاريخ-السيد سليمان الندوي، ص ٨٢)
ومن البضائع والمحاصيل التي كان يأخذها العرب من الهند ويستوردونها: ”الأعواد، والصندلان، والكافور، والكافور والجوزبوا، والقرنفل، والقافلة والكبابة والنارجيل، والثياب المتخذة من الحشيش والثياب القطنية المخملة والفيلة، ومن سرنديب الياقوت وألوانه كلها، وأشباهه، والماس والدر والبلور، والسنبادج الذي يعالج به الجوهر، ومن ملي وسندان الفلفل، ومن كله الرصاص القلعي ومن ناحية الجنوب البقم والداي، ومن السند القسط والقنا والخيزران“. (المسالك والممالك-ابن خرداذبة، ص ٧٠) وفي المقابل، كان العرب يصدرون إلى الهند التمور، والبخور، والخيول العربية النفيسة، وغيرها من الأشياء النفيسة.
العلاقات الدينية
تتناقل الروايات والحكايات يذكر فيها العلماء والمؤرخون أن أبا البشر، آدم عليه السلام، نزل من الجنة إلى الهند، وخطا خطواته الأولى على أرض سرنديب (سريلانكا الحالية) تسمى ”دحناء“، ولا يزال أثر قدميه موجودا ظاهرا على أحد جبالها. غير أن الدلائل الأحفورية والدراسات العلمية تؤكد أن البشر ظهر أولا في أفريقيا.
ومهما يكن من التاريخ، فإن صفحات التاريخ تخبرنا أن التجار دخلوا في الهند منذ فجر التاريخ، وكانت هناك صلات قوية متشعبة بين الهند وشبه الجزيرة العربية منذ العصور، أما الإسلام فقد تعددت الروايات حوله، غير أن الثابت أن الإسلام دخل في الهند في القرن الأول للهجري، وبني أول مسجد في الهند باسم ”مسجد شيرامان“ في كيرالا على يد الداعية مالك بن دينار.
ثم غزا محمد بن قاسم السند في عام ٧١٠م بأمر الحجاج بن يوسف الثقفي، فاستولى على المنطقة وما جاورها. ولكن المناطق الأخرى من الهند بقيت خارج الحكم الإسلامي حتى غزا محمود الغزنوي ١٠٢٧م وأخضعتها لسلطته. ثم تتوالى السلالات المختلفة في حكم الهند، فازدادت العلاقات بين الهند والعالم العربي رسوخا وعمقا.
العلاقات الثقافية
إن الهند والعالم العربي يشتركان في جذور ثقافية عريقة نسجتها قرون من التبادل التجاري والتواصل الحضاري، مما عززت العلاقات الثقافية بينهما، وأسهمت في إثراء الأشياء المشتركة. فمن المجالات الثقافية المشتركة بين الهند والعالم العربي: الملابس، والمأكولات، والحرف وغيرها. ففي مجال الأزياء، نجد أزياء متداولة على الجانبين مثل: كرته، وباجامه، ولحاف، وجيب، وجوتي، وغيرها.
وفي المأكولات المشتركة بينهما: شيش كباب، وشاورما، وخبز النان، وبرياني، ومندي، والكبسة، والشيرة، والمربى، والمخلل (أشار) وغيرها. ومن الحلويات المشتركة بينهما: الجولاب جامن، والكنافة، والكاسترد، وشيرخورما وغيرها. وهكذا يظل هذا التمازج الثقافي والاندماج الحضاري شاهدا على عمق الصلات في كلا الجانبين.
ومن الألفاظ الأخرى التي هي هندية الأصل وتستخدم في العالم العربي هي: صندل، ومسك، وكافور، وقرنفل، وفلفل، وزنجبيل، وجائفل، وإطريفل، ونارجيل وغيرها. نجد بعضا من الكلمات الهندية في الأشعار والأقوال العربية القديمة مما يشير إلى قدامة العلاقات بين الجانبين. فإن السيف الهندي كان يشتهر كثيرا في العرب، فذكره كثير من الشعراء في قصائده. قال الشاعر المخضرم، كعب بن زهير في قصيدة البردة:
إن الرسول لسيف يستضاء به
مهند من سيوف الله مسلول
قال المهلهل:
هزموا العداة بكل امسر مارن
مهند مثل الغدير اليماني
وقال أعشى قيس:
في فتية كسيف الهند قد علموا
أن هالك كل من يحفي وينتعل
أصابه هندواني فأقصده
أو ذابل من رماح الخط معتدل
كذلك جاء كثير من الأشعار في الفلفل كما قال إمرؤ القيس:
ترى بعر الآرام في عرصاتها
وقيعانها كأنه حب فلفل
وقال عنترة بن شداد العبسي:
فاستبدلت عفر الظباء كأنما
أبعارها في الصيف حب الفلفل
وقال جرير بن عطية:
طوى أمهات الدر حتى كأنها
فلافل هندي فهن لصوق
كذلك جاء كثير من الأشعار في عود الهند كما قال إمرؤ القيس:
وبانا وألويا من الهند ذاكيا
ورندا ولبنى والكباء والمقترا
وقال حسان بن ثابت:
فإذا تشاء دعت بمقطرة
تذكى لها بألوة الهند
كذلك جاء كثير من الأشعار في القرنفل كما قال إمرؤ القيس:
إذا قامتا تضوّع المسك منهما
نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل
وقوله:
دعي البِكر لا ترثي له من ردافنا
وهاتي أُذيقينا جَناة القرنفل
وقال النابغة الشيباني في خشب الساج:
وقبّة لا تكاد الطير تبلغها
أعلى محاريبها بالساج مسقوف
وقال أبو الضلع السندي:
وأنواع الأفاويه وجوز الطيب والسنبل
ومنها العاج والساج ومنها العود والصندل
قال الأعشى بن قيس في الزنجبيل:
كأن جنيا من الزنجبيل
خالط فاها وأريا مشورا
الخاتمة:
إن العلاقات الهندية العربية تمتد جذورها إلى قديم الزمان حيث كانت هناك صلات تجارية، وثقافية، وحضارية، وفكرية وثيقة بين الجانبين مما مهد السبيل لنشوء حضارتين قويتين خلفتا آثارا في تاريخ الإنسانية. وأثرت هذه العلاقات الوطيدة والروابط المتينة في ثقافة بعضهما من بعض، فانعكست في أوجه التشابه والتقارب في الملابس، والمأكولات، والعادات، والملامح الفكرية وغيرها. وفي العصر الحديث، شهدت هذه العلاقات التجارية والدينية والفكرية تطورا ملحوظا، وأسهمت في تعزيز شتى المجالات من كلي الجانبين.