قراءة في ”القاديانية -دراسة وتحليل“

القاديانية -دراسة وتحليل
  • اسم الكتاب: القاديانية – دراسة وتحليل
  • اسم الكاتب: أبو الحسن علي الحسني الندوي
  • دار النشر: مجلس تحقيقات ونشريات اسلام، لكهنؤ
  • عدد الصفحات: ١٩٤

نبذة عن المؤلف أبو الحسن علي الحسني الندوي

العلامة الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله، داعية إسلامي، مصلح، ومفكر، وأديب كبير ولد في مديرية رائي بريلي، بولاية أترا براديش في الهند. تعلم العلوم الأساسية على يد كبار العلماء الربانيين في عصره، وتوجه إلى عاصمة لكناؤ، حيث حصل على التعليم العالي من جامعة لكناؤ، ثم التحق بدار العلوم لندوة العلماء وتبحر في العلوم الإسلامية والعربية. كان الشيخ رئيسا وعضوا في عديد من المؤسسات التعليمية والهيئات الإسلامية بما فيها: دار العلوم ندوة العلماء، لكناؤ، هيئة قانون الأحوال الشخصية الإسلامية لعموم الهند، رابطة العالم الإسلامي، المجمع العلمي العربي، دمشق وغيرها. 

وتمتلئ حياة العلامة بالإنجازات والتكريمات التي لا تعد ولا تحصى، فقد نال جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام ١٩٨٠، جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم عام ١٩٩٨، جائزة السلطان حسن البلقية العالمية عام ١٩٩٨، كما منح شهادة الدكتوراة الفخرية في الآداب من جامعة كشمير عام ١٩٨١.

 يمتاز أسلوب العلامة برشاقته ورقته وعذوبته، حيث أدلى الخطب والمحاضرات والمناقشات حول موضوعات شتى أمام العالم بأسلوب أدبي بليغ في جانب، وفي جانب آخر ألف مئات من الكتب الإسلامية والأدبية والإصلاحية في لغات مختلفة بما فيها: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، الطريق إلى المدينة، إلى ممثلي البلاد الإسلامية، إذا هبت ريح الإيمان، إلى الإسلام من جديد، رجال الفكر والدعوة، روائع إقبال وما إلى ذلك.  

عن الكتاب

إن كتاب ”القاديانية دراسة وتحليل“ يعد من أهم وأشهر الكتب التي ألفت حول حركة القاديانية وتأثيرها في أرجاء العالم، كتبه الداعية الكبير والكاتب الهندي العلامة الشيخ أبو الحسن علي الندوي. كتب المؤلف هذا الكتاب في الأصل باللغة العربية بتوجيه من أستاذه الشيخ عبد القادر الرائيبوري، ثم ترجم هذا الكتاب إلى اللغة الأردية، لكنه رأى أن الترجمة تتضمن الإضافات والتفصيلات مما تجعلها أشبه بكتاب مستقل. 

ينقسم هذا الكتاب إلى أربعة أبواب رئيسية: عصر الحركة وبيئتها وشخصياتها الأساسية والرئيسية، عقيدة المرزا غلام أحمد وتطور دعوته التدريجي وترتيب دعاواه، نظرة على حياة وسيرة المرزا غلام أحمد، التحليل النقدي لحركة القاديانية. ثم يقسم كل باب إلى عدة فصول. 

في الباب الأول، ناقش الكاتب عن الخلفية والأسباب التي مهدت السبيل لنشوء هذه الحركة، وأنتجت عن بروز جماعة غيرت مجرى التاريخ، وخلفت آثارا لا تمحى في العالم. ذكر المؤلف عدة أسباب رئيسية لنشوء هذه الحركة القاديانية، وهي كما تلي: كان يمر العالم الإسلامي بالاضطراب الذهني والتذبذب الداخلي حيث كانت اندلعت الحروب، وازدادت التناقضات بين المدنيتين الشرقية والغربية. وعلى وجه الخصوص في الهند، كان المسلمون يعيشون في العبودية السياسية تحت الاستعمار البريطاني، وكان المبلغون المسيحيون يبذلون قصارى جهودهم في نشر المسيحية، ويخلقون الشكوك والشبهات في أذهان الجيل الناشئ حول الإسلام، وكان الصوفياء والعلماء المتدينون الذين يتشبهون السلف الصالح، وقلوبهم مليئة بالأقذار والأكدار بدأوا سلسلة الطريقة والولاية، وكانوا ينشرون شطحاتهم وإلهاماتهم.

كذلك اتسعت الفوارق والخلافات بين الفرق الإسلامية، وكثرت المناظرات والمجادلات. بين العلامة هذه الأشياء في النص العربي لهذا الكتاب ”استولى على المسلمين اليأس والتذمر والقلق، ويئس الناس من إصلاح الأوضاع بالأساليب العادية الطبيعية، وبدأوا يتطلعون إلى منقذ جديد غريب، وكثر الحديث عن الفتن والعصر الأخير، وكثرت التنبؤات والإلهامات، وذاعت المنامات والتكهنات“. (ص ٢٠ القادياني والقاديانية دراسة وتحليل لأبي الحسن الندوي)

 في هذه الأوضاع الخطيرة، برز المرزا غلام أحمد في أواخر القرن التاسع عشر، ووجد بيئة مناسبة ملائمة لدعوته وفكره وغرضه، وأصبح زعيما روحيا مذهبيا لعدد هائل من الناس. هكذا بدأت مسيرة القاديانية وسارت حتى انتشرت في العالم الإسلامي.

وفي الفصلين الأخيرين للباب الأول، تحدث الكاتب عن حياة المرزا غلام أحمد وأسرته كذلك عن خليفته الحكيم نور الدين البهيروي الذي يعد من أهم الشخصيات في القاديانية بعد المرزا غلام أحمد. ولد المرزا غلام أحمد عام ١٨٣٩ في قاديان، مديرية كرداسبور، بنجاب من سلالة مغولية اسمها برلاس. وكانت أسرته صاحبة شرف وجلال، سلطة وولاء في بنجاب، تعلم العلوم الدينية والأدبية، وتوظف في محكمة سيالكوت حتى استقال من الوظيفة وانصرف إلى مطالعة الكتب، واشتغل بالعبادات والصلوات. 

تزوج مرتين، وأنجبت إحداهما ولدين: المرزا سلطان أحمد والمرزا فضل أحمد. وأنجبت الزوجة الثانية التي يلقبها القاديانيون بأم المؤمنين ثلاثة أولاد ومنهم: المرزا بشير الدين محمود، والمرزا بشير أحمد، والمرزا شريف أحمد. أصيب بأمراض عنيفة مثل هستيريا، وداء البول السكري، والهيضة الوبائية وغيرها. وأدت هذه الأمراض والأدواء إلى وفاته في ٢٦ مايو سنة ١٩٠٨، ودفن في المقبرة التي سماها بمقبرة الجنة بهشتي مقبرة. 

وفي الباب الثاني، تحدث الكاتب عن عقائد المرزا غلام أحمد، وسرد قائمة طويلة من دعاواه، وكذلك مسيرته من المسيح الموعود إلى النبي وما فوقها. ومن أهم دعوى المرزا غلام أحمد التي ذكرها المؤلف هي: كتب المرزا كتابه الضخم ”براهين أحمدية“، وادعى فيها:

”أن الإلهام لم ينقطع ولا ينبغي أن ينقطع، وأن هذا الإلهام هو من أقوى الدلائل على صحة الدعوى وصدق الديانة والعقيدة، وأن الذي يتم اتباعه للرسول صلى الله عليه وسلم يكرم بالعلم الظاهر والباطن الذي أكرم به الرسل أصالة ويحصل له العلم اليقيني والقطعي، ويكون علمه اللدني مشابها بعلم الرسل، وهم الذين ذكروا في الحديث بالأمثل، وفي القرآن بالصديق، ويكون عصر ظهورهم مشابها بعصر بعثة الأنبياء، وبهم تقوم حجة الإسلام“. (ص ٤٤ القادياني والقاديانية دراسة وتحليل لأبي الحسن الندوي)

ادعى المرزا غلام أحمد أنه مثيل للمسيح الموعود والنبي، قال ”أنا نبي ظلي وبروزي من أنبياء الله، وتجب على كل مسلم إطاعتي في الأمور الدينية، ويجب على كل مسلم أن يؤمن بأني المسيح الموعود“. (رسالة تحفة الندوة للمرزا غلام أحمد)

 إنه كان يعتبر نفسه نبيا مستقلا يستطيع أن ينسخ شريعة القرآن ويأتي بأحكام جديدة وشريعة جديدة. وأعلن أن كل من يكفره وينكر نبوته سيكون كافرا وخارجا من دائرة الإسلام. كذلك كان يؤمن بعقيدة التناسخ والحلول ”أن الأنبياء كانت تتناسخ أرواحهم ويتقمص روح بعضهم وحقيقتهم جسد بعضهم وتظهر في مظهر الآخر“ (ص ٧٦ القادياني والقاديانية دراسة وتحليل لأبي الحسن الندوي). كان يعتقد أن للنبي صلى الله عليه وسلم بعثتين، حتى جاء في كتبه أنه كان يعتبر نفسه نبيا أكثر منزلة من أكثر الأنبياء. 

وفي الباب الثالث، تحدث الكاتب عن حياة المرزا غلام أحمد وكيف أثرت دعوى المسيح الموعود والنبي على حياته الشخصية ماليا، وسياسيا، واجتماعيا. يقول الكاتب أن حياة المرزا غلام أحمد تغيرت تماما، وكثرت مظاهر الترف والرخاء، واجتمعت كنوز المال والذخائر، وانهالت عليه الهدايا والأموال. وكل هذا كان عن طريق الدين وعاطفة دينية من عامة الناس. اعترض عليه الخواجه كمال الدين ”إن حضرة المرزا يحثنا على التوفير والإنفاق في سبيل الدعوة وهو يعيش في بذخ وترف“.(كشف الاختلاف ص ١٥)

كذلك، إنه كان يؤيد الحكومة البريطانية التي قتلت الأبرياء، وغصبت أموال المسلمين، وهتكت حقوقهم. وكان يحث المسلمين ألا يعارضوا هذه الحكومة الجابرة الظالمة، ويصبحوا مخلصين لها، ولذا دعا المسلمين إلى ترك الجهاد، ومحو العاطفة الجياشة لكفاح ونضال الحكومات المستبدة. قال المرزا في كتا به ”الأربعين“: لقد ألغي الجهاد في عصر المسيح الموعود إلغاءا باتا. وقال في ”الخطبة الإلهامية“: لقد آن أن تفتح أبواب السماء وقد عطل الجهاد في الأرض وتوقفت الحروب.

وفي الباب الأخير، حلل الكاتب حركة القاديانية تحليلا نقديا، وبين ما أحدثته من تأثيرات في العالم الإسلامي. يقول الكاتب إن حركة القاديانية ليست مثل الفرق الأخرى الموجودة في الإسلام، بل إنها دين مختلف، وحركة فريدة، تختلف في أصوله ومظاهره عن الإسلام. تحل القاديانية مذهبا مستقلا مع شريعتها الخاصة، تمنح متبعيها النبوة الجديدة، والشعائر الدينية الجديدة، والمراكز الروحانية المقدسة الجديدة، والصحابة الكرام الجدد، والشخصيات الصالحة الجديدة، حتى التاريخ الجديد.

هجمت القاديانية على شعائر الإسلام بشكل مباشر حيث اعتقد القاديانيون أن قاديان هي من إحدى المقامات المقدسة بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة. قال المرزا بشير الدين محمود: لقد قدس الله هذه المقامات الثلاثة (مكة والمدينة واديان) (صحيفة الفضل ٣ سبتمبر ١٩٣٥). وجاءت في القاديانية ”إن الحج إلى مكة بغير الحج إلى قاديان حج جاف خشيب، لأن الحج إلى مكة اليوم لا يؤدي رسالته ولا يفي بغرضه“. (صحيفة الفضل المجلد الحادي والعشرون عدد ٣٣)

ومن أهم عقائد القاديانية أنها هجمت على العقيدة الإسلامية الأساسية التي امتاز الإسلام بها، وثارت على الموهبة التي خص الله بها فقط هذه الأمة، وهجمت على الأساس الذي جمع العالم الإسلامي كله على كتلة واحدة هي ”أن الدين قد أكمل، وأن محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين، وأن رسالته هي الرسالة الأخيرة“. لكنت القاديانية شتتت شمل المسلمين، وفرقت بينهم بشريعة جديدة ونبي جديد ورسالة جديدة. 

وأخيرا، يشير الكاتب إلى أن القاديانية لم تقم بأي عمل ملموس قابل للذكر، بل أحدثت شغرا لا يسد بسهولة. قال الكاتب في النسخة الأصلية ”في هذه الساعة العصبية التي كان فيها العالم الإسلامي في اضطراب عظيم ظهر المرزا غلام أحمد………. وركز فكره وكرس علمه وقلمه على موضوع واحد وعلى قضية واحدة (رفع المسيح ونزوله)، وصرح بأنه أعظم أهدافه، وعلى إلغاء الجهاد وتزكية الحكومة الإنجليزية وإطرائها والدعوة إلى الإخلاص لها……..ولو جردت كتبه ومؤلفاته التي تكون هذه المكتبة العظيمة من هذا البحث ومن هذا النقاش لبقيت أوراق وصحائف معدودة لا قيمة لها“. (ص ١٦٣ القادياني والقاديانية دراسة وتحليل لأبي الحسن الندوي).

كذلك كتب ”دعا إلى نبوة جديدة وكفر من لا يؤمن بها وأقام بينه وبين المسلمين جدارا سميكا وسترا صفيقا من النبوة الجديدة،……..فزاد المسلمين في الهند افتراقا على افتراق وتشتتا على تشتت….“ (ص ١٦٣ القادياني والقاديانية دراسة وتحليل لأبي الحسن الندوي). 

”إنه لم يضف إلى الثروة الإسلامية شيئا يغتبط به، ويشكره عليه العالم الإسلامي وتاريخ الإصلاح والتجديد فلم يكن مصلحا دينيا ولا مصلحا اجتماعيا، إنه كان داعية شخصيا قد أسس لنفسه وأسرته وخلفائه إمارة روحية ارستقراطية مثل آباء آغا خان، ونشر الفوضى الفكرية التي تزال مصدر اضطراب وإلحاد وثورة على الدين“ (ص ١٦٤ القادياني والقاديانية دراسة وتحليل لأبي الحسن الندوي).

الخاتمة

إن هذا الكتاب ”القاديانية -دراسة وتحليل“ الذي كتبه العلامة الشيخ أبو الحسن علي الندوي رحمه الله يعد من أوائل الكتب التي تناولت حركة القاديانية بلغة عربية، ثم قام بترجمته إلى اللغة الأردية مع مزيد من الإضافات والتشريحات والتفصيلات. ويمتاز هذا الكتاب بأسلوب أدبي سلس، بعيد عن أسلوب المناظرات والمجادلات.

 بدأ المؤلف من الأسباب التي أدت إلى بروز هذه الحركة، وواصل من ذكر حياة المرزا غلام أحمد من المهد إلى اللحد، محللا جميع المراحل الدينية والتطورات الفكرية التي مر بها في حياته، وكيف أثرت هذه التغيرات في في تشكيل حركة القاديانية وانتشارها. 

وقد أكد الشيخ الندوي في مقدمة كتابه، إنه ادخر جميع النصوص المذكورة في الكتاب، وطالع جميع المراجع والمصادر التي ذكرها أو نقل منها العبارات، واستند إلى نصوص أصلية، وكرس جهوده لتحقيق دقيق في هذه الحركة القاديانية، وألف كتابا كان ينتظره العالم حول هذا الموضوع.   

Scroll to Top