اكتشف الجديد كل يوم

اللغة العربية في عصر العولمة

اللغة العربية في عصر العولمة

المقدمة:

إن اللغة العربية هي من إحدى اللغات السامية وهي من أقدم اللغات في العالم وكذلك هذه اللغة من أكثر اللغات تحدثا ونطقا كما يتحدث بها ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم العربي، الذي يضم ٢٢ دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. اللغة العربية هي اللغة الرسمية في معظم هذه البلدان وهي أيضا إحدى اللغات الرسمية الست للأمم المتحدة. فأولا تعتبر اللغة العربية لغة مقدسة على اعتبار أنها لغة القرآن، حيث لا تتم الصلاة والعبادات الأخرى في الدين الإسلامي إلا باللغة العربية، ولذا كان لانتشار الدين الإسلامي تأثيراً مباشراً وغير مباشر في رفع شأن ومكانة اللغة العربية حيث أصبحت لغة العلم والأدب والسياسة لأزمنة طويلة في الديار التي حكمها المسلمون، بالإضافة لهذا فقد كان للغة العربية تأثير كبير على عدد من اللغات الأخرى على امتداد العالم الإسلامي كالفارسية، والتركية والكردية، والأردية، وغيرها.

مميزات اللغة العربية:

تمتعت هذه اللغة بخصائصها المتميزة  وميزاتها الفريدة، و منها الخصائص الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية كما منها خصائص أحرفها وإعرابها، وتعدد أبنيتها وصيغها، ووفرة مصادرها وجودة مفرداتها واشتقاقها والدقة في تعابيرها وتراكيبها. بين القرآن الكريم شأن اللغة العربية في آيات عديدة، فقال تعالى: (إنا أنزلنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (وكذلك أنزلناه قرانًا عربيا) (نزل به الروح الأمين  على قلبك لتكونَ مِنَ الْمُنذِرِين  بلسان عربي مبين) (كتاب فصلت آياته قرانًا عربيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (إِنَّا جَعَلْنَاه قرآنًا عربيًّا لعلكم تعقلون) وآيات أخرى. يقول سيدنا عمر: تعلموا العربية فإنها من الدين. يقول شعبة: تعلموا العربية فإنها تزيد العقل”. وفي ذلك يقول أرنست رينان العالم الفرنسي: إن هذه اللغة قد بلغت حد الكمال في قلب الصحراء عند أمة من الرجل ففاقت اللغات بكثرة مفرداتها، ودقة معانيها، وحسن نظام مبانيها.

ونظرا إلى خصائص ومميزات اللغة العربية قال الشاعر جهاد جحا عن اللغة العربية مما يلي:

العولمة:

تعد العولمة من الظواهر الشائعة في العصر الحديث إذ أثرت بعد ظهورها وشيوعها في كثير من العلوم سواء في بعدها الحضاري الثقافي. ومن المجالات التي تأثرت بهذه الظاهرة هي اللغة. فإن العولمة هو مصطلح من أهم المصطلحات المعاصرة الأكثر جذبا للأقلام واثارة النقاشات والحوار، فالعولمة ترجمة ل ”globalization“ في اللغة الإنجليزية، وبهذا يمكن لنا أن نقول أن العولمة  لغة تعني جعل الشيء عالمياً أو تعميم الشيء وتوسيع دائرته ليشمل العالم كله. أما اصطلاحا فقد ذهب الباحثون والدارسون والعالمون في تعريف العولمة إلى مذاهب شتى. يرى الكاتب العربي الشهير الدكتور عبد الله أحمد جاد الكريم أن العولمة هي عملية يتم بمقتضاها إلغاء الحواجز بين الدول والشعوب، فتنتقل فيها المجتمعات من حالة الفرقة والتجزئة إلى حالة الاقتراب والتوحد، ومن الصراع إلى التوافق، ومن التباين والتمايز إلى التجانس والتماثل.

فإن العولمة تهدف إلى تعزيز الترابط بين شعوب العالم في إطار مجتمع عالمي موحد تتأثر فيه الجهود للسير نحو الأفضل، تتوحد فيه سبل التفكير وأنماط السلوكيات وطرق العيش وسبل حل المشكلات، ويتوحد المصير والثقافة بما فيها القيم الإنسانية واللغة وكل ما يتعلق بالحياة البشرية، ومن ثم تتقارب الشعوب وتتفاهم فتزول بؤر التوتر وتمحو الخلافات فتنتهي الحروب والصراعات.

العولمة واللغة:

فإن العولمة واللغة تتشابكان بطرق مختلفة و تتأثران بعضهما البعض بشكل كبير. فالعولمة تعزز التواصل العابر للحدود بين الثقافات والشعوب، واللغات تصبح وسيلة للتفاهم وتبادل المعلومات في مجتمع عالمي. ومع تزايد الاتصالات الدولية والتبادل التجاري، تصبح بعض اللغات مثل الإنجليزية، والإسبانية، والصينية أكثر انتشارا واستخداما على مستوى العالم. وكل هذا يؤدي إلى استيعاب مصطلحات وعبارات جديدة من لغة إلى لغة، فالعولمة تعني سيطرة اللغة القوية على اللغات الأخرى الضعيفة وتهميشها في المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية، حيث تحل محلها اللغات الأقوى.

إن اللغة العربية بتاريخها الغني وعمقها الثقافي وتأثيرها العالمي تقف شاهدا على قوة التنوع اللغوي في عالمنا المترابط وفي عصر العولمة، حيث يمتد التواصل والتعاون عبر القارات، تعمل اللغة العربية كجسر يربط الثقافات المتنوعة. و على مر القرون، كانت اللغة العربية بمثابة قناة لتبادل المعرفة والأفكار والتجارة بين الشرق والغرب. فإن تأثيرها في مجالات مختلفة مثل العلوم والرياضيات والآداب والفلسفة خلال العصر الذهبي الإسلامي قد يدل على أهميتها ودورها البارز في تثقيف البشر. وعلاوة على ذلك، تعتبر اللغة العربية لاعباً أساسياً في الساحة الدبلوماسية والسياسية حيث تساهم الدول العربية، بأهميتها الجيوسياسية الاستراتيجية، بشكل كبير في السياسة العالمية. وهي إحدى اللغات الرسمية الست للأمم المتحدة، مما يعكس دورها كلغة للخطاب الدولي. وفي عالم الأعمال، لا يمكن إنكار النفوذ الاقتصادي للعالم العربي حيث يتم التحدث باللغة العربية في الدول الغنية ذات الاقتصادات المزدهرة، مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. فإن فهم اللغة العربية ليس مجرد رصيد لغوي، بل هو ميزة استراتيجية لأولئك الذين يسعون إلى التنقل في الشبكة المعقدة للأعمال والتجارة الدولية. وكذلك لا يقتصر تأثير اللغة العربية في عالم العولمة على المجالين الاقتصادي والسياسي، بل  يوفر تعلم اللغة العربية أبواب جديدة لفهم الثقافات والتقاليد المتنوعة في العالم العربي.

ومع أن لهذه اللغة مستقبلا باهرا إلا أن واقعها اليوم يدعوا إلى الاهتمام والعناية نظرا لما تتعرض له هذه اللغة الجميلة من المشكلات والتحديات، وتتمثل هذه التهديدات فيما يلي:

التحديات:

  • عدم إعطاء الرسمية الكافية للغة العربية من طرق المسؤولين على مستوى الدول العربية والإسلامية في مختلف الوزارات وخاصة الوزارات المعنية بنشر اللغة كوزارة التربية والتعليم العالي والثقافات والإعلام والهيئات الثقافية. فرغم أن كثيرا من الدول العربية تشير دساتيرها بأن اللغة العربية لغة رسمية إلا أنه على مستوى الممارسة نجد غير ذلك حيث نجد العربية وإن كانت هي اللغة الرسمية في البلدان العربية أنها همشت في معظم المؤسسات الإدارية والجامعية والميادين العربية والمراسلات الإدارية، وحلت اللغة الفرنسية وكذلك الانجليزية واللغات الأخرى محلها، فأصبحت هذه اللغات لغات المخاطبة في الميدان، وتقهقرت اللغة العربية تدريجيا بحسب المخططات المدروسة لعلمهم بأنها لغة القرآن الكريم ومفتاح العلوم الشرعية.
  • زرع الإحساس بالدونية والتخلف الحضاري في نفوس المتكلمين باللغة العربية والنظر إليهم كأنهم انحدروا من عصور قديمة تجاوزتها عجلة الزمن ومن ثمة تتزعزع ثقتهم في الاعتزاز والافتخار بها وكونها لغة معارفهم وتواصلهم.
  • دعوة إلى توظيف اللهجات في كل المجالات ادعاء أنها الأسهل والأقرب إلى الفرد المتكلم بها، ومن هذا المنطلق تصبح هي اللغة الأم لتنزلق اللغة الفصحى إلى درجة أقل شأنا بكثير من الدارجة حتى نحن نجد أن الغرب قد شجع اللهجات العامية في اللغة العربية، حتى أن بعض الجامعات الأمريكية قامت بإلغاء تدريس اللغة العربية والاستعاضة عنها باللهجات العربية مثل الشامية والمصرية والمغربية والعراقية وغيرها، ويسبب هذه الفجوة الهائلة بين العامية والفصحى، وتزايد الاهتمام على العامية في الدول العربية تراجع شأن اللغة العربية الفصحى في الأوساط العلمية.
  • إضعاف روح الإيمان في الفرد العربي وخاصة الأطفال الصغار وذلك بالإبعاد عن الدين الإسلامي من خلال مختلف الوسائل المضلة حتى ينفصل الفرد عن دينه وهو يميل إلى الدنيا كما بدأ يحاول الكسب، ولذلك هو يحاول أن يتعلم اللغات الأجنبية لكي يتسهل له كسب المال.
  • دخول وتعريب المصطلحات الأجنبية إلى اللغة العربية كي تراكب التطور التقني والعلمي الذي يشهده العالم اليوم، وتأثير التراكيب والأساليب اللغوية الجديدة الغربية على اللغة العربية نتيجة الترجمة من الانجليزية، وكذلك ازدواجية اللغة بين العامية والفصحى، والتحدي الإعلامي والعلمي والتقني وغيرها.
  • والخطر الأكبر للغة العربية في ظلال العولمة يأتي من تهميشها تدريجيا حيث تحل محلها اللغة الإنجليزية في العالم العربي باعتبارها لغة عمل وتواصل وأنها تمتلك مقومات القوة والهيمنة والسيطرة على اللغات الأخرى.

سبل المواجهة:

  • وجوب اهتمام المسؤولين في الدول العربية بوضعية لغتهم، فيستخدمون اللغة العربية الفصحى سواء في معاملاتهم الإدارية أو خطبهم أو أحاديثهم الرسمية، فهم الممثلون لهذه الأمة وتخليهم عنها يشجع الشعوب على الاستهانة بها، والكف عن استخدامها.
  • إصدار قوانين ملزمة لتعميم استعمال اللغة العربية في كافة الهيئات الرسمية والتعليمية والعلمية والثقافية ومطالبة الشركات العاملة في البلدان العربية بوجوب التعامل بالعربية أولا ثم باللغة الأجنبية ثانيا، واشتراط إتقانها من طرف العاملين في أوطاننا إلى الحد الذي يمكنهم من التعامل مع محيطهم.
  • فرض استخدام اللغة العربية ومنع الدارجة في جميع المراحل التعليمية المختلفة وفي جميع الفروع العلمية منها والأدبية.
  • العمل على تيسير اللغة المستعملة في العمليات التواصلية، والاهتمام بطرق تدريس القواعد، بحيث تكون بسيطة وجذابة خاصة بالنسبة للصغار.
  • التصدي لظاهرة شيوع استعمال اللهجات العامية في العملية التعليمية بكل مراحلها، سواء داخل القاعات الدراسية  أو خارجها، وكذلك في جميع الأنشطة المدرسية والثقافية، سواء كان الأمر من طرف المعلم أو المتعلم.
  • ترجمة المراجع الأجنبية القيمة إلى اللغة العربية لإغناء وإثراء لغتنا وثقافتنا وتسهيل الاطلاع على ما أنتجه الفكر البشري في اللغات الأخرى، دون الحاجة إلى إتقانها.
  • العمل على المزيد من اتساع رقعة المتكلمين باللغة العربية، وذلك بنشرها في البلدان الإسلامية.
  • الاهتمام بتنشئة الجيل الصاعد على حب لغته والافتخار بها.

الخاتمة:

              إن اللغة العربية لغة حية خالدة فرضت نفسها منذ عهود، ولا تزال تفرض نفسها ولن يضرها قول قائل ، أو تنطع ناطع، ويكفيها سموا وعلوا أنها حافظت على التراث الإنساني من الضباع، كما أنها تشكل قوة ضاربة في الأعماق ، وتعد منافسة خطيرة لجميع لغات العالم. وما إقرار الأمم المتحدة باستعمال اللغة العربية في تجمعاتها وملتقياتها، واعتمادها لغة أثناء عمليات الترجمة الفورية ، إلا دليل على مكانتها. وما اعتراف منظمة اليونسكو، والصحة العالمية باللغة العربية واستخدامها في نشراتها ودعايتها لدليل آخر على أهميتها. وما بسط نفوذها على القارة الإفريقية لدلالة قاطعة على بروزها كمنافس قوي للغات الأخرى.كما أن تجاوز عدد الناطقين بها في العالم أكثر من ٤٠٠ مليون نسمة، ومسارعة الكثير من الدول الغربية وعلى رأسهم أمريكا ومحاولة أبنائها لتعلم اللغة العربية من أجل التواصل، والعمل في الأقطار العربية، إلا علامة من علامات عظمة هذه اللغة. وفي هذا السياق يقول المستشرق الفرنسي، لويس ماسينيون، في معرض حديثه عن مكانة اللغة العربية، وبروزها كلغة عالمية دولية : (إن اللغة العربية أداة لنقل بدائع الفكر في الميدان الدولي من استمرار حياة اللغة العربية دوليا، لهو العنصر الجوهري للسلام بين الأمم في المستقبل) .

إن اللغة العربية ولا شك – تمتلك من الخصائص والمميزات التي تجعلها قادرة على مسايرة العصر ومواكبة عالم التكنولوجيا والتطور الحاصل جراء الثورة المعلوماتية، والانفتاح على شبكات وسائل الاتصال الحديث، ومن هنا وجب على الباحثين وأصحاب هذه اللغة أن يبذلوا جل جهودهم من أجل تعميم استعمالات اللغة العربية في المؤسسات التربوية وفي وسائل الإعلام وكذا العمل على تعليم اللغة العربية لغير العرب، وعلى وجه الخصوص تلك الشعوب التي تعتنق الدين الاسلامي. قال الشاعر السوري جاك صبري شماس:

هام الفؤاد بروضك الريان
أسمى اللغات ربيبة القرآن
أنا لن أخاطب بالرطانة يعربا
أو أستعير مترجمًا لبياني 

أو دعت فيك حشاشتي ومشاعري
  ولأنت أمي والدي وكياني 
لغة حياها الله حرفا خالدًا
 فتوضعت عبقا على الأكوان

وتلألأت بالضاد تشمخ عزة
  وتسيل شهدا في فم الأزمان
فاحذر أخي العربي من غدر المدى
 واغرس بذور الضاد في الوجدان

الشاعر السوري جاك صبري شماس
Scroll to Top