اكتشف الجديد كل يوم

الوضع التعليمي للمسلمين في الهند 

الوضع التعليمي للمسلمين في الهند 

المقدمة:


إن الهند دولة جمهورية ديمقراطية علمانية تقع في جنوب آسيا. وهي تعد من أكبر الدول سكانا كما هي خامس أكبر دولة من الناتج المحلي الإجمالي. توجد فيها عدة حضارات وديانات مثل الهندوسية والإسلام والبوذية والسيخية والجينية والمسيحية وغيرها. يعتبر الإسلام ثاني أكبر ديانة في الهند، ويبلغ عدد متبعيه من السكان حوالي مئتين مليون نسمة وفقًا لتعداد ٢٠١٩ . وكذلك تعد الهند ثالث أكبر بلد في عدد المسلمين في العالم، فإن المسلمين يعدون كأكبر أقليّة في البلد ذي الغالبية الهندوسية. ومع ذلك يواجه المسلمون التحديات والمشاكل والعراقيل في جميع المجالات خاصة في مجال التعليم، وتدهور الوضع التعليمي لهم.

الوضع التعليمي الحالي للمسلمين:

وفقا للعديد من التقارير والإحصاءات، المسلمون الهنود هم أكثر فقراً وأقل تعليماً مقارنة بنظرائهم الآخرين في الهند. فإن المسلمين الذين برزوا في جميع المجالات، واطلعوا على علوم الشرق والغرب، و تعمقوا في الفنون المتعددة السائدة في العالم، و أناروا قناديل العلوم، وأوقدوا سراج العلم والمعرفة، كما كانوا منارات للعلم والمعرفة، والناس كانوا يتوجهون إليهم من مشارق الأرض ومغاربها للاستفادة بهم، تخلفوا اليوم في جميع المجالات. فعندما نلقي نظرة خاطفة على الأوضاع التعليمية للمسلمين في الهند نتحير ونتأسف على ما آل إليه حالهم، كما تشير البيانات والإحصاءات. 

  • تبلغ النسبة التعليمية في الرجال المسلمين: ٥١٪ في المائة. 
  • وتبلغ النسبة التعليمية في النساء المسلمات: ٤٨٪ في المائة. 
  • وتبلغ نسبة التحاق المسلمين بالتعليم العالي: ٤.٦٪ في المائة.  

وفقًا لتقرير “المسح الشامل للتعليم العالي في الهند“ (AISHE) لعام ٢٠٢٠-٢٠٢١، انخفض عدد الطلاب المسلمين الملتحقين بالتعليم العالي من ٢,١٠٠,٨٦٠ طالبًا في عام ٢٠١٩-٢٠٢٠ إلى ١,٩٢١,٧٧٣طالبًا في عام٢٠٢٠-٢٠٢١، مما يمثل انخفاضًا بنسبة٨.٥٪، أي ما يعادل ١٧٩,١٤٧طالبًا. و إن ندقق الانخفاض حسب الولاية فنجد أكبر انخفاض في ولاية أوتار براديش (٣٦٪)، تليها جامو وكشمير (٢٦٪)، ماهاراشترا (٨.٥٪)، وتاميل نادو (٨.١٪).

ونظرا لهذا التخلف التعليمي والانهيار الحضاري، قال أنيل بورديا، الناشط الاجتماعي، والسكرتير التعليمي للهند وقتئذ في الجلسة الافتتاحية المنعقدة ٤/فبراير ١٩٨٨م «إن التراث الحضاري والثقافي والتاريخي للمسلمين لم يزل عظيم الشأن وذا أهمية كبيرة عبر مرور العصور، ولم يمكن لقوم أو ملة من أن تكون كفوا لهم في المجالات المذكورة، ولكن من المؤسف جدا أن نسبتهم المئوية اليوم في الجهالة، والأمية. وحرمانهم عن التعليم أكثر من جميع الأقوام التي تعيش في الهند”.

ولذا دعنا كي نلقي نظرة خاطفة على الظواهر والعوامل التي أدت إلى تخلف المسلمين في مجال التعليم. 

العوامل الاجتماعية والاقتصادية:

 تلعب العوامل الاجتماعية والاقتصادية دورًا حاسمًا في تشكيل المشهد التعليمي الحالي للمسلمين في الهند. فإن المسلمين الهنود هم أكثر حرمانًا من الجانب الاقتصادي، كما يعيش معظم من المسلمين تحت خط الفقر، كما أشار تقرير حكومي صدر في عام ٢٠١١ إلى أن ٦٥٪ من المسلمين مضطرون إلى العيش في أسوأ وضع اقتصادي، وتزداد هذه الحالة سوءا مع مرور الوقت.   وأظهرت دراسة أجرتها مؤسسة غالوب عام ٢٠٢٢ أن المسلمين في الهند يعانون من مستويات أعلى من المصاعب الاقتصادية مقارنةً بالهندوس. تُظهر البيانات أن ٢٦٪ من المسلمين واجهوا صعوبات في الحصول على الطعام في العام السابق، مقارنةً بـ ١٩٪من الهندوس. كما أن ٥١٪ من المسلمين واجهوا صعوبات في الحصول على، مقابل ٣٨٪ من الهندوس.

المدارس التعليمية:

 تؤثر قلة توافر البنية التحتية التعليمية على النتائج التعليمية للمسلمين في الهند حيث لا توجد المدارس والمؤسسات التعليمية التي توفر التعليم عالي الجودة، وتركز على التعليم المعاصر مع التعليم الإسلامي للحفاظ على القيم والمبادئ الإسلامية. ويحتاج العديد من المناطق ذات الأغلبية المسلمة إلى هذا النوع من المدارس الكافية، وخاصة تلك التي تقدم تعليما عالي الجودة. فإن هذا النوع من المدارس لا تعزّز فقط جودة التعليم، بل تسهم أيضًا في إعداد أفراد قادرين على المساهمة الفعّالة في المجتمع، مع الحفاظ على هويتهم الثقافية والدينية.

التمييز في المؤسسات التعليمية:

 ويزيد التمييز والتهميش على أساس الهوية الدينية من تفاقم التحديات التي يواجهها الطلاب المسلمون في العصر الحاضر. فإن حالات التحيز والمحاباة على أساس الدين والهوية في المؤسسات التعليمية تخلق بيئات تعليمية غير مناسبة للتعليم والتعلم، مما يؤدي إلى إقصائهم وإبعادهم عن التعليم. كما دفع الحظر المثير للجدل على ارتداء الحجاب في المدارس في ولاية كرناتكا، عديدا من الفتيات المسلمات المحجبات إلى انسحابهن من المدارس وفقا لتقرير صادر عن PUCL-K. وفي قضية أخرى أقرت ولاية آسام قانونا لتغيير جميع المدارس  التي تمولها الولاية إلى المؤسسات التعليمية العادية.  وتساهم هذه العوامل في انخفاض معدلات المسلمين للالتحاق بالمدارس، وارتفاع معدلات التسرب، ومحدودية الوصول إلى التعليم الجيد بين الأطفال المسلمين. 

 وتزيد نسبة الحرمان التعليمي المسلمين كما لا يتم تنفيذ السياسات والمبادرات مثل المنح الدراسية الخاصة للأقليات ولاسيما المسلمين، كما منعت الحكومة الحالية زمالة مولانا آزاد الوطنية، وقللت نفقة مشروع توفير التعليم للمدارس الدينية والأقليات، بالإضافة إلى منحة بيغم حضرت محل الوطنية، المخصصة للفتيات المتفوقات في التعليم الثانوي العالي. فإن هذه السياسات والمبادرات والمنحات تظل محدودة بسبب عدم كفاية التنفيذ، وعدم كفاية التمويل وغيرها. 

فنظرا إلى هذه الظواهر والعوامل دعنا كي نبحث الحلول لتدهور وضع المسلمين التعليمي وتخلفهم في هذا المجال. فمن الإجراءات والمشاريع التى يمكن بها أن يتغلب المسلمون ويقدرون على القضاء على هذا الوضع الخطير التعليمي في أقل مدة، هي :

التفسير الصحيح للعلم:

من بواعث الهم والحزن أن المسلمين مازالوا مترددين ومتذبذبين في فهم العلاقة بين العلم والدين منذ زمن طويل، كما فرقوا بينهما . فقد اعتقد الكثيرون وزعموا أن العلوم الشرعية والاسلامية هي الطريق الوحيد للفلاح والنجاح في الدارين، وظنوا أن العلوم الحديثة مجرد وسيلة لجمع المال وتحقيق المكاسب الدنيوية، وليست هدفًا أساسيًا في الحياة. لكن الله سبحانه وتعالى أمرنا في القرآن الكريم بالتفكر في خلق السماوات والأرض، والشمس والقمر، والنجوم والكواكب، والتأمل في حركة الرياح و السحاب وتعاقب الليل والنهار. كل هذا لكي نفهم القوانين التي تحكم العالم وندرك عظمة الخالق من خلال التدبر والتفكر في ظاهر الأرض وباطنها. وهذا دليل على أن الإسلام يشجعنا على تعلم جميع العلوم التي تنفع البشرية وتزيد معرفتنا بالله.

ولذا يجب علينا أن نتقن ونتعلم مختلف العلوم والفنون، سواء كانت إسلامية أو عصرية، لكي نتحقق إنجازات قيمة في جميع المجالات ونساهم في المجتمع بنصيبنا.

المبادرات الاجتماعية:

واستجابة لهذه التحديات التعليمية، ينبغي لنا أن ننشر الوعي العام للتعليم والتعلم خاصة في المناطق الريفية، ونقوم بتوعية عامة الناس وتنشئة الجيل الجديد من المسلمين للحصول على العلوم والفنون لكي يكونوا نابغين وبارعين في سائر المجالات، ولكي يسايروا مع متطلبات العصر الحاضر، حتى تتطور وتتحسن المكانة الاجتماعية والاقتصادية للمسلمين. ونتيجة لهذا، ظهرت العديد من المنظمات والجماعات غير الحكومية تقيم البرامج التعليمية في المناطق الريفية والقرى النائية لنشر الوعي حول أهمية التعليم، وتركز على تحسين فرص الالتحاق بالمدارس، وتعزيز جودة التعليم، وتوفير البنية التحتية التعليمية الكافية، وتعزيز تعليم الفتيات المسلمات كما أنهن في حاجة ماسة إلى المزيد من الاهتمام للحصول على  فرص متساوية.

وكذلك يجب علينا أن نعالج التحديات الأساسية في المسلمين مثل الفقر وقلة تيسر الموارد والبنية التحتية والقيود الاجتماعية والثقافية في المجتمع.  

إنشاء  المؤسسات التعليمية:

من بواعث الأسف الشديد أن عديدا من المسلمين يعيشون في المناطق الريفية حيث لا توجد المدارس والمؤسسات الكافية التي يديرها المسلمون لتوفير التعليم الجيد، ولذا تعم الأمية والجهل فيهم إلى حد لا يمكن بيانه، فيجب على رجال الأعمال المسلمين إنشاء المؤسسات والمدارس الابتدائية  والكليات والجامعات في جميع المناطق والمديريات لكي يتوفر التعليم ذو جودة عالية لكل فرد من المجتمع في أرخص رسوم لهم.  

الخاتمة:

فإن التفاوت التعليمي الذي يواجهه المسلمون في الهند هو قضية متعددة الأوجه، جذورها في عوامل تاريخية واجتماعية واقتصادية ومؤسسية.  وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتحسين الوصول إلى التعليم عالي الجودة، لا تزال هناك تحديات كبيرة تعيق تقدم المجتمع. وتتطلب معالجة هذه الفوارق التعليمية اتباع نهج شامل يشمل إصلاحات السياسات، وتشجيع المجتمع على التعليم، والاستثمار في المدارس عالي الجودة. ومن خلال تعزيز الشمولية وتكافؤ الفرص لجميع أفراد المجتمع، والتركيز على هذه النقاط يستطيع المسلمون القضاء على هذه التحديات والتغلب عليها. 

Scroll to Top