المحتوى
ما هو النقد ؟
النقد لغةً تمييز الدراهم الجيدة من الرديئة.
واصطلاحاً هو فن دراسة النصوص وتحليلها وتقويمها وتحديد مكانتها في الأدب، أو “هو فن دراسة النصوص الأدبية لمعرفة اتجاهها الأدبي وتحرير مكانتها في مسيرة الآداب والتعرف على مواطن الحسن والقبح مع التفسير والتحليل “.
ويشترط للناقد أن يكون لديه ذوق وملكة وممارسة بالنقد والخبرة فيه والتعرف بالثقافة كما اشترط أحمد أمين فيقول ” من اللازم أن يكون لناقد الأدب كما لناقد الأدب تثقيف خاص ويعني بالتثقيف تحصيل المعرفة وتهذيب العقل معا، فالناقد يحتاج إلى المعرفة لتعطيه سعة النظرة ولتكون أساساً صالحا لحكمه “.
النقد في العصر الجاهلي :
كان النقد في العصر الجاهلي يعتمد بشكل أساسي على الذوق الخاص وطبيعتهم الفطرية فما كانت لديهم قواعد معينة. وكانت الأسواق من أهم المراكز لا سيما سوق عكاظ فكان الشعراء يقدمون أشعارهم هناك ويحكم عليها الحكم بالجيد أو الرديء ، ثم تعلق أحسن قصيدة على جدار الكعبة.
واشتهر هناك كثير من القصص عن الأشعار التي تدل على أن النقد يقومه الحكم في الأسواق والشعراء على أنفسهم وكذلك القوم فيما بعد فيقبلون أحسن الأشعار وكان قبولهم يدل على جيده أو رديئه.
“كان نابغة حكما في الشعر وكانت تضرب له قبة من أدم في سوق عكاظ، يأتي إليه الشعراء ويتنافسون فيما بينهم وهو يحكم بينهم، فدخل حسان بن ثابت وقال:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى
وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
ولدنا بني العنقاء وابني محرق
فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما
فقال الحكم نابغة: بأنك قللت عدد جفانك لانك قلت “الجفنات” فقللت العدد ولو قلت “الجفان” لكان أكثر، وقلت “يلمعن بالضحي” ولو قلت “يبرقن بالدجى” لكان أبلغ في المديح لان الضيف بالليل أكثر طروقًا، وقلت- “يقطرن من نجدة دمًا” فدللت على قلة القتل، ولو قلت “يجرين” لكان أكثر لانصباب الدم. وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك. فقام حسان منكسرًا منقطعًا”.
(أبو الفرج الأصفهاني- “الأغاني” ج 9، ص 340 -طبعة دار الكتب المصرية)
“وتحاكمت زوجة امرؤ القيس بينه وبين علقمة الفحل عندما قالا شعرا على قافية واحدة فقال امرؤ القيس في قصيدته حيث وصف فرسه:
فللسوط ألهوب وللساق درة
وللزجر منه وقع أخرج متعب
وقال علقمة
فأدركهن ثانيا من عنانه
يمر كمر الرائح المتحلب.
ففضلت علقمة على امرؤ القيس فقال لها: بم فضلته علي؟ فقالت: فرس ابن عبدة أجود من فرسك! قال: وبماذا ؟ قالت: إنك زجرت وحركت ساقيك وضربت بسوطك أما علقمة فإنه أدرك فرسه ثانيا من عنانه لم يضربه بسوط ولم يتعبه، فقال: ما هو بأشعر مني، ولكنك له بعاشقة! وطلقها فخلفه عليها علقمة الفحل!”
(دراسات في النقد الأدبي، ص: ٣٩،٤٠)
“ويقال إن ملتمس أنشد في مجلس لبني قيس بن ثعلبة، وكان طرفة يلعب مع الصبيان ويتسمع فأنشد الملتمس:
وَقَدْ أتَنَاسَى الهمَّ عِنْدَ احْتِضَارِهِ
بِنَاجٍ عَلَيْهِ الصَّيْعَرِيَّةُ مكدم
والصيعرية: سِمَة تُوسم بها النوقَ باليمن، فلما سمع طَرَفة البيتَ قَال: استنوقَ الجمل، قَالوا: فدعاه المتلمس وقَال له: أخْرِجْ لسانَكَ، فأخرجه فإذا هو أسْوَد، فَقَال:وَيْلٌ لهذا من هذا.”
(مجمع الأمثال، ج:٢ ص:٩٣، المكتبة الشاملة)
كان النقد لفظيا ومعنويا كما هي في الأمثلة المذكورة لكن كان على الآراء الفردية والملاحظات الشخصية كما قال لبيد عندما سئل: من أشعر الناس؟ قال قال: الملك الضليل، قيل:ثم من؟ قال: الشاب القتيل، قيل: ثم من؟ قال: الشيخ أبو عقيل يعني نفسه.
وكان الحذاق يقولون: الفحول في الجاهلية ثلاثة، وفي الإسلام ثلاثة متشابهون: زهير والفرزدق، والنابغة والأخطل، والأعشى وجرير.
وكان خلف الأحمر يقول: الأعشى أجمعهم. وقال أبو عمرو بن العلاء: مثله مثل البازي يضرب كبير الطير وصغيره. وكان أبو الخطاب الأخفش يقدمه جداً لا يقدم عليه أحداً.
وحكى الأصمعي عن ابن أبي طرفة: كفاك من الشعراء أربعة: زهير إذا رغب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا طرب، وعنترة إذا كلب، وزاد قوم: وجرير إذا غضب.
وقيل لكثير أو لنصيب: من أشعر العرب؟ فقال:امرؤ القيس إذا ركب، وزهير إذا رغب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا شرب.
(المشاهير من الشعراء، ج:١ ص:٩٥. المكتبة الشاملة)
فكان النقد في الأدب الجاهلي فطريا يعتمد على البداوة والسذاجة والملاحظات الفردية والذوق الشخصي وكان عادة خاليا من التفسير والتحليل، وكذلك لم يأخذوا القصيدة بأكملها ثم نقدوها بل كانوا ينظرون إلى الشعر أو بعض الأشعار فقط.
النقد في العصر الإسلامي :
إن النقد في العصر الجاهلي تحول كما تحول الأدب وأتت فيه القيم الأخلاقية والإسلامية فكان النقد أيضا اتجه إلى الاتجاه الديني وصار مقياس الحكم فيه على العمل الأدبي بمقدار مطابقته للحق أو عدم مطابقته للحق كما جاء في القرآن الكريم “والشعراء يتبعهم الغاوون….. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات”
فوضع القرآن ميزانا و مقياسا للنقد في العصر الاسلامي وقسم الشعراء إلى قسمين، أولها الشعراء المشركون الذين لم يوافق شعرهم الحق، وثانيهما الشعراء الذين وقفوا على الموقف الإسلامي ووافقوا الحق ودافعوا الدين بأشعارهم فمدحهم النبي وشجعهم، فإن النبي قال “إن من البيان لسحرا وإن من الشعر لحكمة “
وقال كذلك في شعر لبيد ” أصدق كلمة قالها شاعر لبيد : ألا كل شيئ ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل”.
وكذلك كان الخلفاء بقوا عليه وشجعوا الشعراء المسلمين فقال أبو بكر الصديق في نابغة بأنه “هو أحسنهم شعراً، وأعذبهم بحراً، وأبعدهم قعراً.
وقال عمر بن الخطاب عن زهير بأنه أشعر الشعراء لإنه كان لا يتبع حوشى الكلام ولا يعاظل في المنطق ولا يمدح أحدا إلا بمافيه”.
النقد في العصر الأموي :
ازدهر النقد في العصر الأموي بسبب وجود من مجموعة من العوامل منها استقرار العرب في المواطن المفتوحة و احتكاكهم بالثقافات الأجنبية واهتمام الخلفاء والأمراء بالشعر والنقد وتشجيعهم عليه، وازدهر النقد في الحجاز والعراق والشام أما الحجاز فاشتهر فيها عدد كثير من النقاد بما فيهم ابن سريج شيخ المغنيين ، وسائب ، وجميلة ، وطوليس ، ومعبد، وابن أبن عتيق وسكينة بنت حسين.
وأما في العراق والشام فساروا على الطريقة القديمة وعادوا إلى المفاخرات وكان سوق المربد كان مركزا لهم فكان النقد بينهم تفضيل الشعراء بعضهم على البعض اعتمادا على الأقوال والأحكام خالية من التفسير مثل العصر الجاهلي، وشجع الخلفاء الشعراء وفتحوا لهم الأبواب فكانوا يتنافسون مكان الخلفاء بأنفسهم ينتقدون ويحكمون على الشعراء بالإجادة والإساءة مثل سليمان بن عبد الملك وعبد الملك بن مروان وغيرهما، فكان النقد في العصر الأموي يدور حول تفضيل الشعراء وعلى الملاحظات الجزئية ولا يقوم على المبادئ ومقاييس وقواعد مكتوبة.
“وسئل الفرزدق مرة: من أشعر العرب؟ فقال: بشر بن خازم؛ قيل له: بماذا؟ قال بقوله:
ثوى في ملحد لا بد منه
كفى بالموت نأياً واغترابا
ثم سئل جرير فقال: بشر بن خازم، قال: بماذا؟قال: بقوله:
رهين بلى، وكل فتىً سيبلى
فشقي الجيب وانتحبي انتحاباً”
(المشاهير من الشعراء، ج:١ ص:٩٥. المكتبة الشاملة)
النقد في العصر العباسي :
تحول النقد في العصر العباسي إلى فن وصناعة مستقلة، ووضعت الكتب النقدية في هذا العصر، فتحول النقد من الاعتماد على الذوق في العصور السابقة، إلى علم بقواعد وأصول محددة، وكان يوجد هناك أيضا اتجاه قديم، يقدم علماء اللغة والأدب رأيهم ويفضلون شاعرا على شاعر فكان علماء الكوفة يقدمون الأنثى على من في طبقته، وعلماء البصرة يقدمون امرؤ القيس، وأهل الحجاز يقدمون النابغة وزهيرا.
والطبقة الأخرى التي اعتمدت إلى قواعد وأصول، هم استندوا إلى الكتب والمؤلفات النقدية في ذلك العصر ونذكر من أهمها:
١. طبقات فحول الشعراء
وكان ابن سلام الجمحي (٢٣٢) أول من كتب في النقد الأدبي كتابه “طبقات فحول الشعراء ” حيث قسم الشعراء إلى ١٠ أقسام، أساسا في التفضيل على أربعة أشياء: جودة الشعر وقوته وكميته وتنوعه، وتحدث في كتابه قضايا نقدية مهمة بما فيها قضية الانتحال وقضية الطبقات وصفات الناقد.
٢. البيان والتبيين
وكذلك ألف الجاحظ (٢٥٥) كتابه “البيان والتبيين” ويعد من أهم الكتب في النقد الأدبي، حيث أخذ الجاحظ الأدب والبلاغة فيه وذكر من الخطباء والبلغاء وكذلك عن خطبهم ورسائلهم.
٣. الشعر والشعراء
ثم ألف ابن قتيبة الدينوري (٢٧٦هـ ) كتابه “الشعر والشعراء” جمع فيه طبقات الشعراء الجاهليين والأمويين ونفرا من العصر العباسي وذكر أخبارهم وأشعارهم، وكتب عن النقد في مقدمة كتابه.
٤.نقد الشعر
وإن كتاب ” نقد الشعر” لقدامة بن جعفر (ت: ٣٣٧هـ) أول كتاب مستقل في هذا الموضوع بين فيه حد الشعر وشروط نظمه وجعل للشعر عناصر : اللفظ والمعنى والوزن والقافية.
٥.الموازنة بين أبي تمام والبحتري
وكذلك “الموازنة بين أبي تمام والبحتري” لأمدي (ت: ۳۷۱) من أهم الكتب لمرحلة النقد الأدبي، وازن فيه الآمدي مذهبهما وكيف أخذا الشعر، وكذلك قدم منهجا للنقد بين الشاعرين فأصبح مرجعا للنقاد والباحثين.
٦.العمدة في صناعة الشعر ونقده
وكتاب “العمدة” لابن رشيق القيرواني (ت:٤٦٣) من أهم الكتب لمرحلة تطور النقد في العصر العباسي و يعد مصدرا مهما في مجال النقد، وتحدث فيه عن الشعر و تعريفه ومفهومه وفي فضله وكذلك رد على من يرفض الشعر، وتحدث عن الشاعر وآدابه.
٧.دلائل الإعجاز
ثم ظهر كتاب “دلائل الإعجاز” لعبد القاهر الجرجاني (ت: ٤٧١) يتحدث فيه على النحو والبلاغة والشعر، وذكر فيه بالتفصيل عن الألفاظ والمعاني وترتيبها وفصاحتها وبلاغتها وكذلك عن القرآن وإعجازها.
النقد في العصر الحديث :
تطور النقد في العصر الحديث كثيرا مع تطور الأدب الحديث إذ ظهر في هذا العصر كثير من النقاد والمناهج التي سلكت عليها النقاد في تحليل النصوص بما فيها المنهج التاريخي والموضوعي والنفسي والاجتماعي والبنيوي والثقافي واللغوي والفني وغيرها، وذلك بسبب التبادلات الثقافية بين العرب والغرب إذ ظهرت هذه المناهج النقدية في أوربا.
وكذلك ظهرت حركات في الأدب العربي وسارت على منهجها الخاص في أخذ النصوص وتحليلها بما فيها : الرابطة القلمية والعصبة الأندلسية ، وحركة أبولو، وجماعة الديوان.
ومن أشهر النقاد في العصر الحديث حسين المرصفى (ت: ١٨٨٩)، والعقاد (ت : ١٩٦٤)، وميخائيل نعيمة (ت: ۱۹۸۸) ، وطه حسین (ت: ۱۹۷۳)، ومحمد مندور (1990)، و أحمد أمين (ت: ١٩٥٤)، محمد غنيمي الهلال، وشوقي ضيف ( ت : ۲۰۰۵)، وأحمد شایب (ت: (۱۹۷۱).
فانتقد النقاد في هذا العصر من نواحي مختلفة وأصول مختلفة فتعددت الكتب والمؤلفات حوله. ومن الكتب المشهورة في النقد الأدبي الحديث:
- الوسيلة الأدبية إلى العلوم العربية لحسين المرصفى ( ١٨٨٩)
- الديوان ” للمازني (ت: ١٩٤٩) والععقاد ( ت : ١٩٦٤)
- الغربال الميخائل العيمة (ت: ۱۹۸۸)
- فى الشعر الجاهلي ” لطه حسین (ت: ۱۹۷۳)
- فى الأدب وفنونه لمحمد مندور
- النقد المنهجي عند العرب لمحمد مندور
- في الأدب والنقد لمحمد مندور (1990)
- النقد الأدبي لأحمد أمين (ت: ١٩٥٤)
- النقد الأدبي الحديث ” لمحمد غنيمي الهلال ()
- في النقد الأدبي ” لشوقي ضيف ( ت : ۲۰۰۵)
- أصول النقد الأدبي لأحمد شایب (ت: (۱۹۷۱)
مراجع:
- الشعر والشعراء
- مجمع الأمثال
- دراسة في نقد الأدب العربي