اكتشف الجديد كل يوم

تطورعلم البيان

تطورعلم البيان

ما هو علم البيان؟

إنّ كلمة “البيان” مأخوذة في اللغة من: “بان-يبين” وهي: الوضوح أو المنطق الفصيح، واصطلاحاً فإنه أحد علوم البلاغة الثلاثة في اللغة العربيّة، وهو يعني الوضوح، والإفصاح، و إظهار المقصود بأبلغ لفظٍ، يعبر عن المعنى الواحد بطرق مختلفة من خلال استخدام فن التشبيه والاستعارة والمجاز والكناية، بالإضافة إلى تعريفه من علماء اللغة بأنّه: “العلم الذي يُعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه”. وإن لعلم البيان عدة مباحث بما فيها التشبيه والاستعارة والمجاز والكناية. 

نشأة علم البيان

إن البلاغة العربية قد مرّت بتاريخ طويل من التطور، وكانت مباحث علومها مختلطا بعضها ببعض، فارتبط علم البيان في نشأته بظهور كلّ من العلوم البلاغية وهي علم المعاني، وعلم البديع؛ حيث كان هناك تداخل كبير فيما بينها في العصر الجاهلي.

نشأة علم البيان في العصر الجاهلي :

وقد أخذ علم البيان ينشأ عند العرب منذ العصر الجاهلي، فكان عرف العرب بالفصاحة والبلاغة وحسن البيان وقد بلغو في الجاهلية درجة رفيعة منها ، فكانوا أرباب لسن وأهل فصاحة وبلاغة وبيان، كانوا ينظمون الشعر ويصلحون له بفطرتهم السليمة، وكان يعقد المهرجان  السنوي في سوق عكاظ وذي المجاز حيث كان الشعراء يقدمون كلامهم وينشدون أشعارهم ثم كان يعلق الكلام الأفضل على باب الكعبة، وتعد المعلقات نماذج البارزة على استخدام الصور البيانية ، فإن  الشعراء كانوا يستخدمون في أشعارهم  التعبيرات المختلفة والصور البيانية كالتشبيه والاستعارة والمجاز والكناية لزيادة الجمال وتعزيز التأثير العاطفي لديهم، فكان لها أثر في إبراز المعنى , وإظهار الجمال والحسن، وكانت تستخدم هذه الأساليب بشكل طبيعي وغير منظم دون تصنع وتكلف، فقد أثرى الشعراء اللغة بمفردات جديدة وأساليب تعبيرية مبتكرة، وكان هذا أساسا لعلم البيان في العصر الجاهلي.

ثمّ مضى هذا العلم ينمو بعد ظهور الإسلام ونزول القرآن الكريم حيث ازداد الاهتمام بعلم البيان نظرا للحاجة إلى فهم النص القرآني وتفسيره، وكان أثّر نزول القرآن أثرا كبيرا على تطور علم البيان، وكذلك لعبت العوامل الأخرى دورا بارزا في تطوره مثل تحضر العرب، واستقرارهم في المدن والأقطار المفتوحة وتفاعلهم مع الثقافات الأخرى الذي أثرى علم البيان بأفكار جديدة، ثمّ الجدل الشديد الذي قام بين الفرق الدينية المختلفة في شؤون العقيدة والسياسة حيث استخدمت الأساليب البيانية في الحوار والمناقشات. فكان طبيعيا لذلك كله أن يكثر التطور ، فقد شهد علم البيان تطورا كبيرا وأصبح أكثر نضجا في العصر الإسلامي.

في العصر العباسي، شهد علم البيان تطوراً كبيراً وأصبح أكثر تنظيماً. وقد نشأ هذا العلم وتطور عبر العصور، ولكنه استقر وتم تدوينه بشكل نهائي على يد أبي يعقوب السكاكي ومدرسته في القرن السابع الهجري.

فبدأت البلاغة العربية تأخذ شكلها المنظم في بداية القرن الثالث الهجري، ومرت بثلاث مراحل رئيسية قبل أن تصل إلى مستوى الاستقرار: ففي المرحلة الأولى كانت البلاغة تتشكل على هامش العلوم الأخرى، ولم تكن ملامحها واضحة تماما. وفي مرحلة الثانية للتكامل المشترك، تطورت البلاغة وأصبحت الأفكار والملاحظات تنضج وتتعمق في ثنايا كتب العلوم الأخرى. وفي مرحلة الاستقرار والتفرد في هذه المرحلة، اتخذت البلاغة صيغة محددة وأصبحت علمًا مستقلاً له مؤلفاته الخاصة. فتطور الشعر والنثر بتأثير الحضارة العباسية، الذي أدى إلى تطور علم البيان فكان هذا العصر عصرا ذهبيا لعلم البيان حيث شهد تطورا كبيرا في الدراسات الأدبية واللغوية والنقدية 

تدوين الكتب البلاغية :

وقد بدأت محاولات أولية لتدوين الملاحظات البلاغية وتسجيلها في هذا العصر، ومن أوائل العلماء الذين بحثوا في البلاغة وكتبوا ما يتعلق بها في القرن الثالث الهجري أبو عبيدة معمر بن المثني (206ه) وكان من أئمة الأدب والنقد  الذي حلل في كتابه ( مجاز القرآن ) بلاغة الكثير من آيات القرآن الكريم.

ثم جاء الجاحظ (225ه) الذي جمع في كتابه ( البيان والتبيين ) الكثير من البلاغات العرب وتحديدهم لمعني البلاغة والفصاحة.ثم جاء بعده قدامة بن جعفر (337ه) فألف كتابه ( نقد الشعر) وأشار إلي أنه قد ألفه ليكمل النقص في أقسام البيان الذي لاحظ كتاب الجاحظ البيان والتبيين.

فجاء ابن رشيق القيرواني ( 466ه) وألف كتاب (العمدة في صناعة الشعر ونقده ) جعله في مائة باب جمع به كل ما قدمه البلاغيون من قبله من البيان والبديع. ثم جاء ابن سنان الخفاجي ( 471) وألف كتابه ( سر الفصاحة ).

ثم جاء عبد القاهر الجرجاني (471ه) ووضع نظريتي علم المعاني , وعلم البيان بشكل منظم وواف , والجدير بالذكر أن هذين العلمين لم يطرحا بشكل نظرية محددة الجوانب إلا علي يديه وقد عرض الأولي في : دلائل الإعجاز , والثانية في أسرار البلاغة .وظهر الزمخشري (538ه) وتناول في تفسيره ( الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ) جوانب البلاغة .

واستقر علم البلاغة في القرن السابع الهجري على يد أبي يعقوب السكاكي ( 555ه-626ه) الذي وضع الأسس النهائية للعلم، والذي ألف كتابه ( مفتاح العلوم ) وتحدث في القسم الثالث منه علم المعاني وعلم البيان , وملحقاتها من الفصاحة والبلاغة , والمحسنات اللفظية والمعنوية. واتبعه تلاميذه في ذلك. ومنذ ذلك الحين، لم يطرأ على العلم تغيير جوهري، ولكن تم تطوير بعض الفنون الأخرى المرتبطة به، خاصة علم البديع.فكل من جاء بعد السكاكي سار علي نهجه ونسج علي منواله.

وفي العصر الحديث شهد علم البيان تطورات جديدة متعددة متأثرا بالتغيرات الثقافية والتقنية والفكرية. فقد تطور هذا العلم مستفيدا من التقدم في مجالات النقد الحديث و اللغويات الحديثة، ومتأثرا بالمدارس الغربية والنظريات المعاصرة .  ومع استمرار تطور اللغة والأدب يستمر علم البيان في التجدد والتطور.

Scroll to Top