شاه ولي الله الدهلوي حياته وخدماته

مولده: ولد الإمام شاه ولي الله محدث الدهلوي، مسند الهند ومجدد عصره، في أسرة علمية نبيلة عام ١١١٤ھ-١١٧٦ھ  (١٧٠٣م-١٧٦٢م) في قرية فلت، بمديرية مظفر نكر، اترابراديش. اسمه احمد ولي الله بن عبد الرحيم بن وجيه الدين، ينتهي نسبه إلى عمر بن خطاب ، وأم جده وجيه الدين حسنية النسب. كان أبوه من احد العلماء الكبار الذين اشتركوا في تدوين الموسوعة الفقهية العظيمة باسم ”الفتاوى العالمكيرية“ أشرف على إخراجها الملك المغولي، أورنكزيب عالمكير.

 ولد في منطقة فلت في أيام حكم أورنكزیب عالمكير الأخيرة، ونشأ في دلهي، وحفظ القرآن الكريم ، وهو ابن سبع سنين. وأخذ العلوم عن والده عبد الرحيم، فدرس العربية والفارسية ، وتزوج وهو ابن أربع عشرة سنة، وأجيز بالدرس، وفرغ من التحصيل وهو ابن خمس عشرة سنة. وما انتهى من الدراسة حتى اشتغل بالتدريس  في ”المدرسة الرحيمية“ التي أسسها والده الشاه عبد الرحيم، وقضى طوال اثني عشر عاما في إعداد جيل كبير أكب عليه وتلقى على يديه علوم الفقه والحديث.

سفره: شد الشاه ولي الله الدهلوي الرحال إلى الحجاز في عام ١١٤٧ھ وأدى فريضة الحج، حتى جاور الحرمين الشريفين واستقر فيهما عامين كاملين. قرأ خلالها على علمائهما، واستفاد منهم، وطالع نفائس الكتب منها: كتب الحديث، وآثار شيخ الإسلام ابن تيمية، واغترف من كنوزها ما وسَّع أفقه وزاد فهمه. ومن أهم علمائه في مكة: الشيخ أبو طاهر الكردي المدني الذي أخذ منه سند الحديث واستفاد به كثيرا. ثم عاد إلى الهند وصقلت معارفه واتسعت مداركه، وتوسع أفقه. فشرع يدرس العلوم الشرعية، حتى ذاع صيته، وتزاحم الناس عليه ليستفيدوا وينهلوا من علمه ومعرفته.

ولكن الشاه ولي الله محدث الدهلوي كان يشتاق إلى قمع البدعات، وسد المنكرات، وإصلاح المجتمع، وإحياء الدين، والنهوض بالأمة الإسلامية. فإنه كرس حياته في إحياء الدين وإصلاح المجتمع حتى خلف مئات من الكتب، وأعد جيلا ناشئا حمل الرسالة من بعده، وخطا خطواته لإصلاح المجتمع. 

دوره في إصلاح المجتمع: في العصر الذي كان يمتلئ بالفوضى والاضطرابات، والحروب والغارات، والظلم والفساد، نهض الشاه ولي الله بشعور إيماني وإصلاحي، وقام بدور ملحوظ في إصلاح المجتمع وتجديده في شتى المجالات. فأولا، قام بالدرس والتدريس لفترة طويلة حتى أكب عليه الناس من نواحي البلاد وأرجائها واستفادوا به، فإنه أعد كوكبة من العلماء الكبار تتحلى بالعلوم والشريعة الإسلامية، وتتهيأ لكفاح التحديات الجديدة. فمن تلامذته البررة: عبد العزيز، ورفيع الدين، وعبد القادر، وعبد الغني، والقاضي ثناء الله باني بتي، ومرتضى الزبيدي، ومحمد أمين الكشميري وغيرهم ممن حملوا لواء العلم والمعرفة بعده في الآفاق. 

كذلك ألف عشرات من الكتب في الإصلاح والتجديد كما أكد على العقائد الصحيحة المستنبطة من القرآن والحديث، وقام بقمع جذور الأفكار والعقائد الباطلة التي كان اتسم بها المسلمون في ذلك الحين، وهاجم المنكرات والبدع التي كانت سادت في المجتمع الإسلامي. بالإضافة إلى ذلك، عزم على نشر القرآن الكريم، وبيان معانيه ومفاهيمه بطريقة صحيحة سليمة، فكان أول من كتب أول تفسير للقرآن الكريم باللغة الفارسية باسم ”فتح الرحمن في ترجمة القرآن“. كذلك شرح الأحاديث النبوية بكل وضوح وتفصيل في سياق ذلك المجتمع، وقاوم المنكرات والبدعات في ظلال تلك الأحاديث النبوية الشريفة. 

وعلاوة على ذلك، سعى إلى الإصلاح في التصوف، وعارض البدع والخرافات التي دخلت في التصوف، ودحض المعتقدات الزائفة. ولم يكتف بذلك فحسب، بل دعا إلى نبذ التعصب المذهبي، والتجنب من الفروق المذهبية، ونادى بضرورة الاعتصام بحبل الله جميعا، والتمسك بالكتاب والسنة. 

شيوخه: الشيخ عبد الرحيم، محمد أفضل السيالكوتي، الشيخ أبي طاهر المدني، تاج الدين القلعي المكي، حسن العجيمي، أحمد النخلي، عبد الله بن سالم البصري، أحمد بن علي الشناوي، إبراهيم الكردي.

وفاته: توفي الشاه ولي الله عام ١٧٦٢م في دلهي ودفن في مقبرة آبائه.

ذريته: له خمسة أبناء وهم : محمد عبد العزيز، عبد القادر، رفيع الدين، وعبد الغني. وابنتان وهما: صالحة، وأمة العزيز. وابن عبد الغني: سيد إسماعيل شهید رحمه الله .

أقوال العلماء فيه: قال عبد الحي بن فخر الدين الحسني في نزهة الخواطر:

”الشيخ الإمام الهمام حجة الله بين الأنام، امام الأئمة، قدوة الأمة، علامة العلماء، وارث الأنبياء، آخر المجتهدين، أوحد علماء الدين، زعيم المتضلعين بحمل أعباء الشرع المتين، محي السنة، ومن عظمت به لله علينا المنة، شيخ الإسلام قطب الدين أحمد ولي الله بن عبد الرحيم.

(نزهة الخواطر، ج ٦، ص ٣٩٨)

وقال محمد رشيد رضا في مجلة المنار:

”مجدد القرن الثاني عشر للهجرة في الهند بدعوته وإرشاده وتربيته وتدريسه ومصنفاته، وبمن ترك من العلماء الأعلام من أبنائه وتلاميذه ومريديه، فقد كان جامعا بين العلوم النقلية والعقلية والفلسفة والتصوف؛ كما يعلم من كتابه المشهور: حجة الله البالغة؛ الذي وضعه لبيان مقاصد الشريعة وحكمها وأسرارها“.

(مجلة المنار، العدد ٣٤، ص ٢٣٦)

وقال محمد عطاء الله حنيف في اتحاف النبيه:

”غرس في الهند غرس الحديث والإصلاح، طاب ثمره ونضج، وتصانيفه كلها تدل على أنه كان من أجلاء النبلاء وكبار العلماء، ماهرا في العلوم الشرعية، متبحرا في المباحث الحديثة“.

(إتحاف النبيه فيما يحتاج إليه المحدث والفقيه، ص ٤٩)

مؤلفاته: ألف أكثر من مئة كتاب ورسالة، وقد طبع كثير منها، وبعضها مخطوط، وبعضها مفقود. ومن أهم الكتب : حجة الله البالغة، وفتح الرحمان في ترجمة القرآن بالفارسية، والمصفى شرح الموطأ، وشرح تراجم الأبواب للبخاري، والفوز الكبير في أصول التفسير، والبدور البازغة، والإنصاف في سبب الاختلاف، ومناقب شيخ الاسلام ابن تيمية، وإنسان العين في مشائخ الحرمين، وإزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء، والتفهيمات الإلهية، وديوان الشعر العربي جمعه ابنه الشيخ عبد العزيز. 

Scroll to Top