عبد العزيز الميمني

عبد العزيز الميمني

عبد العزيز بن عبد الكريم بن يعقوب الراجكوتي الميمني عالم، محقق، خبير بتحقيق المخطوطات ونوادر الكتب،  ولد عام ١٨٨٨م في بلدة راجكوت بولاية غوجارات، الهند. نشأ في بيت من التجار، والتحق بكتاب بلدته حيث تعلم القراءة والكتابة. ثم قصد إلى المراكز الشهيرة مثل أمروهة، ولكناؤ، ورامفور، ودهلي وحصل على التعليم العالي. تعلم العلوم العربية والإسلامية على أيدي العلماء الكبار في دلهي، كما أتقن اللغة الفارسية وآدابها في المدرسة العالية برامفور. 

كان يمتلك قوة الذاكرة، فحفظ الشعر العربي القديم الذي يتجاوز عدده ٧٠ ألف بيت، بما فيه المعلقات العشر والدواوين الشعرية مثل ديوان المتنبي والحماسة. كذلك حفظ بعض أمهات الكتب للغة العربية مثل الكامل للمبرد، والبيان والتبيين للجاحظ، وأدب الكاتب لابن قتيبة، وجمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشي. 

تحدث عبد العزيز الميمني عن الدواوين والكتب التي حفظها: ”المعلقات العشر، وديوان الحماسة، والمتنبي، والجمهرة، والمفضليات، والكامل للمبرد، والنوادر لأبي زيد، والبيان والتبيين، وأدب الكاتب، والاقتضاب.“ (شاكر الفحام، ”عبد العزيز الميمني الراجكوتي“، مجلة المجمع العلمي العربي، العدد ١، ١ يونيو ١٩٨٥م، ص ٥٢)

كان عبد العزيز الميمني يحب قراءة الكتب ومطالعتها، ولكن الظروف لم تكن تسمح له أن يشتري الكتب ويقرأها، فكان ينسخ الكتب المطبوعة بيده ثم يقرأها. وهذا ما زاده قوة في الحفظ، وحدة في الذكاء، وسعة في العلم. 

بدأ عبد العزيز الميمني مسيرته العلمية بانضمامه إلى مجلة ”تهذيب الأخلاق“ التي كان يصدرها سر سيد أحمد خان بعلي كرة، وكأستاذ للغة العربية والفارسية في الكلية التبشيرية بيشاور سنة ١٩١٣. ثم انتقل إلى الكلية الشرقية بلاهور عام ١٩٢١، وعين محاضرا للغة العربية وآدابها. وما لبث إلا قليلا حتى تولى منصب رئيس قسم اللغة العربية والفارسية. وإلى جانب خدماته الأكاديمية، كتب عديدا من المقالات والشروح حول اللغة العربية وآدابها. 

ثم التحق بجامعة عليكرة الإسلامية أستاذا مساعدا عام ١٩٢٥، وقضى فيها ٢٥ سنة، تدرج خلالها في المناصب المتعددة العالية حتى عين أستاذا ورئيسا لقسم اللغة العربية وآدابها. وكانت الأيام التي قضاها في هذه الجامعة العريقة من أحسن مراحل حياته وأكثرها قيمة، إذ كتب خلالها معظم كتبه، وقام بتحقيقاته النادرة التي خلدت اسمه في تاريخ التراث العربي والإسلامي. وهكذا اشتهر في مجال اللغة العربية، وذاع صيته في مشارق الأرض ومغاربها. كتب محمد اسماعيل الديروي عن براعته في اللغة العربية: ”وإذا ما كانت هناك خطبة أو محاضرة باللغة العربية فإن مهمة ترجمتها كانت توكل إلى العلامة عبد العزيز الميمني، وينقل المحاضرة والخطبة إلى اللغة الأردية بمهارة فائقة.“ (محمد اسماعيل الديروي، العلامة عبد العزيز الميمني حياته وآثاره وأسلوب بحثه وتحقيقه، ص ٢٧)

وبعد أن تقاعد من جامعة عليكرة الإسلامية عام ١٩٥٠، تولى رئاسة قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة كراتشي، ثم في جامعة بنجاب، كما التحق بعدها بجامعة السند كأستاذ الشرف. كذلك كان عين أول مدير لمجمع البحوث الإسلامية في كراتشي عام ١٩٥٤. وبعد أن اعتزل جميع المناصب في الهند وباكستان، وجهت الجامعات الأجنبية الدعوة إلى العلامة عبد العزيز الميمني للاستفادة من علمه، ولكن تقدم سنه، وكثرة ضعفه لم تسمح له بأن يلبي تلك الدعوات.

انتخب عبد العزيز الميمني عضوا مراسلا في المجمع العلمي العربي بدمشق عام ١٩٢٨، وظل مرتبطا به نحو نصف قرن، ثم عين عضوا مراسلا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، مما زاد فيه من المهارات اللغوية، والتحقيقات العلمية، حتى أصبحت أعماله وتحقيقاته مصدرا غنيا للباحثين والمحققين. وتقديرا لجهوده وإسهاماته في نشر اللغة العربية وتحقيق التراث الأدبي العربي، منحته الحكومة السورية وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى.

أشهر أساتذته: السيد أحمد حسن الأمروهوي، حسين بن محسن الأنصاري الخرزجي السعدي، نذير أحمد الدهلوي، عبد الرحمن الملتاني، عبد الوهاب الرامفوري، وغيرهم.

رحلاته: قام العلامة عبد العزيز الميمني برحلات عديدة إلى البلدان العربية مثل المملكة العربية السعودية، والعراق، وسوريا، وإيران، ولبنان ومصر، وتونس، والمغرب. استفاد الميمني في رحلاته من المكتبات لمختلف البلدان، وكرس جهوده في بحث الكتب والمخطوطات القديمة النادرة، مما زاد من ثراء التراث العربي والإسلامي. نقلت جريدة ”اليمامة“ عن جهوده ومساعيه التي كان يبذلها في تحقيق وبحث المخطوطات والكتب القديمة: ”أي رجل في العالم يستحق كل تقدير واحترام من العرب أكثر من العلامة عبد العزيز الميمني الذي أنفق حياته في خدمة اللغة العربية والثقافة الإسلامية، فهو في البحث والتحقيق عن الآثار العربية يجوب البلاد ويقطع الفيافي.“ (محمد اسماعيل الديروي، العلامة عبد العزيز الميمني حياته وآثاره وأسلوب بحثه وتحقيقه، ص ٣٥)

أقوال العلماء فيه:

”إن العلامة الميمني يبقى اسمه وذكره في تاريخ الأدب العربي عامة وفي تاريخ الأدب العربي بالهند خاصة، وأن المكانة العالية العلمية التي احتل بها العلامة الميمني وملأها زمنا طويلا لا أظنها يملأ أحد إلى زمن طويل قادم في شبه قارة الهند وباكستان.“ (محمد ناظم الندوي، ”العلامة الميمني“، مجلة المجمع العلمي العربي، العدد ١، ١ يونيو ١٩٨٥م، ص ١٦٨)

 ”كان الأستاذ عبد العزيز الميمني الراجكوتي رحمه الله وأغدق عليه صواب رضوانه، من أفذاذ العلماء في التمكن من العربية وأدبها وعلومها. أحبها حبا ملك عليه نفسه، وتغلغل في السواد من قلبه، ونبغ فيها نبوغ عابد متأله. قد تبتل في محاريبها، وأراح في جنباتها، فتعرف إلى بيانها، وتذوق سحرها وإعجازها، ووقف على أسرارها ودقائقها، وأحاط خبرا بأدبائها وشعرائها وعلمائها ورجالها. وقضى حياته يدرس تراثها العظيم ويدرسه. ويسعى لتحقيقه ونشره السعي الحثيث…“ (شاكر الفحام، ”عبد العزيز الميمني الراجكوتي“، مجلة المجمع العلمي العربي، العدد ١، ١ يونيو ١٩٨٥م، ص ٤٩)

مؤلفاته وتحقيقاته: أبو العلاء وما إليه، سمط اللآلي شرح أمالي القالي، فهارس سمط اللآلي، المنقوص والممدود للفراء، الفاضل للمبرد، الوحشيات لأبي تمام، تعليقات على ”لسان العرب“ وما إلى ذلك. 

وظل الميمني يقوم بدوره الفعال في خدمة اللغة العربية وآدابها، ويفيد الباحثين بتحقيقاته ومخطوطاته النادرة، حتى وافاه الأجل في ٢٧ اكتوبر عام ١٩٧٨م. 

”يعتبر الشيخ العلامة عبد العزيز الميمني من أعلام الأدب العربي ومآثره ومفاخره في شبه القارة الهندية لخدماته العلمية العظيمة المشكورة. قام بها لأكثر من نصف قرن خدمة صامتة لا يدانيه فيها إلا القليلون. اشتغل بالعلم فخدم اللغة والأدب تدريسا وتأليفا… عرف الشيخ في الأوساط العلمية والأدبية -وليس في شبه القارة الهندية فحسب، بل في العالم العربي أيضا- كحجة في اللغة والأدب، وحافظ للأشعار والأنساب والآداب على طريقة السلف من العلماء والأعلام، وعالم بالنحو والمعاني والبيان، كما عرف بقوة ذاكرته، وبصيرته النافذة واستنتاجه العميق وشغفه بالبحث والتدقيق.“ (مسعود الرحمن الندوي، ”الشيخ عبد العزيز الميمني“، مجلة المجمع العلمي العربي، العدد ١، ١ يونيو ١٩٨٥م، ص ١٥٨)

Scroll to Top