المحتوى
المقدمة:
إن اللغة وسيلة للتفاهم والتواصل مع الناس، كما هي واسطة لنقل المشاعر والخوالج إلى الآخرين. وإنها من أعظم النعم التي يتميز بها الإنسان عن غيره من المخلوقات، فهي أداة التفكير، ووسيلة التعبير، وجسر التواصل بين الأفراد والمجتمعات. واليوم، يُقدّر عدد اللغات في العالم بأكثر من ٦٠٠٠ لغة، لكل منها خصائصها وتاريخها الفريد. وقد نشأت اللغة وتطورت بسبب الحاجة إلى التعبير عن المشاعر والأحاسيس، كما يقال: الحاجة أم الاختراع. في هذا المقال، سنتناول تعريف اللغة، وأهم وظائفها، وعائلاتها اللغوية، إضافةً إلى خصائصها المشتركة التي تجعلها ظاهرة إنسانية فريدة من نوعها.
ما هي اللغة:
اختلف العلماء في تعريف اللغة، فقد عرفها ابن جني في ”الخصائص“ بأنها: أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم. وقال عبد الوهاب هاشم، إن اللغة: نظم متوافقة من الرموز الصوتية الإرادية العرفية لتلبية الاحتياجات الفردية والاجتماعية. وقال فرديناند دي سوسير في ”محاضرات في اللسانيات العامة“، إن: اللغة نظام من العلامات التي تعبر عن الأفكار، وهي جزء من الحياة الاجتماعية. كذلك قال العالم اللغوي، نعوم تشومسكي، في ”البنى التركيبية“ إن: اللغة مجموعة من الجمل التي تتشكل وفق قواعد نحوية، وهذه القواعد تجعل الإنسان قادرًا على إنتاج عدد لا نهائي من الجمل.
ونظرا لهذه التعريفات يمكننا القول إن اللغة أصوات وألفاظ وتراكيب، لها نظام منطقي، ويقدر الإنسان من خلالها على التواصل مع أفراد المجتمع والتعبير عن مشاعره وأحاسيسه.
العائلات اللغوية:
يوجد في العالم أكثر من ٦٠٠٠ لغة، وإن قارة أفريقيا من أكثر القارات تنوعا لغويا وثقافيا، حيث توجد فيها أكثر من ٢٠٠٠ لغة. كذلك توجد في الهند وحدها أكثر من ٥٠٠ لغة. ورغم تنوع وتعدد هذه اللغات، إلا أنها تنحدر من أصول وجذور تاريخية تُعرف بالعائلات اللغوية. تشير العائلة اللغوية إلى مجموعة من اللغات التي تطورت من لغة أم مشتركة عبر العصور.
أشهر العائلات اللغوية في العالم:
- العائلة الهندوأوروبية: أكبر عائلة لغوية في العالم، حيث تضم أكثر من ٣ مليارات متحدث. وتضم هذه العائلة أوروبا وآسيا والأمريكتين وأستراليا. ومن أشهر اللغات لهذه العائلة: الإنجليزية، الألمانية، الإسبانية، الفرنسية، الهندية، الأردية، الروسية وما إلى ذلك.
- العائلة السامية الحامية: وهي تضم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يتحدث بها أكثر من ٤٠٠ مليون شخص. ومن أشهر اللغات لهذه العائلة: العربية، العبرية، الأمازيغية وغيرها.
- العائلة الدراويدية: تضم الهند وسريلانكا. يتحدث بها حوالي ٢٥٠ مليون شخص. ومن أشهر اللغات لهذه العائلة: التاميلية، التيلوغوية، الكانادا، الماليالامية وغيرها.
ومن العائلات الأخرى الشهيرة: العائلة الصينية التبتية، العائلة التوركية، العائلة الألتايكية، العائلة النيجيرية الكونغولية، العائلة الأسترونيزية وما إلى ذلك.
أنواع اللغات:
قسم المؤرخون والباحثون اللغات إلى ثلاثة أنواع حسب شيوعها واستخدامها، وهي اللغات البائدة، والمهجورة، والمشهورة. اللغات البائدة هي التي انقرضت ولا تستخدم الان بسبب عدم وجود متحدثيها، ومنها: السومرية، والأكادية، والفينيقية. اللغات المهجورة: وهي التي ترك متكلموها التحدث بها، ولكنها لا تزال محفوظة في النصوص الدينية، أو الأدبية، أو الدراسات الأكاديمية. ومنها: اللاتينية، والسنسكريتية، واليونانية، والسريانية. اللغات المشهورة: وهي التي يتكلم بها اليوم عدد كبير من الناس، ومنها: الإنجليزية، والعربية، والفرنسية، والهندية، والألمانية، والروسية، والإيطالية وما إلى ذلك.
الخصائص المشتركة لجميع اللغات:
إن اللغات لها رموز صوتية ننطقها عند التحدث، ورموز كتابية ندوّنها عند الكتابة. وإن علاقة الألفاظ بالمعاني في جميع اللغات اعتباطية وعشوائية، حيث لا يدل اللفظ على المعنى بذاته، بل يُحدد وفق عُرف لغوي، ويعكس هيئة تشكلت دون أي تحديد منطقي. عندما نقول القلم، فلا يدل هذا اللفظ على القلم المعين بالضبط، بل إنه يدل على الآلة والأداة التي تكتب بها. وكذلك لا يدل لفظ البيت على البيت حقا، بل يدل على الهيكل الذي يتكون من الجدران والأبواب والسقف والنوافذ وغيرها. ولذا تتغير الألفاظ لمعنى واحد في اللغات ما سواها.
اللغة عادة متبعة ومكتسبة يكتسبها الناس بالتفاعل والتواصل في البيئة مع مرور الزمان. مثلا يتعلم الطفل اللغة من والديه تدريجيا مرورا بمراحل مختلفة لتعلم اللغة، ولذا قسم الباحثون مراحل التعلم للغة إلى ثلاثة وهي: مرحلة تعلم الأصوات، مرحلة جمع الأصوات معاً، مرحلة تعلم كيفية إنشاء الجمل. ولو ينشأ الطفل في الغابة، ولا يحظ بالاتصال مع الانسان، وسمع أي لغة بشرية، لما يقدر على التكلم باللغة البشرية كما أثبتت الدراسات. ويؤكد ذلك العالم اللغوي نعوم تشومسكي في نظرية النحو الكلي، حيث يرى أن الدماغ البشري مهيأ لاكتساب اللغة، لكنه يحتاج إلى البيئة اللغوية لتفعيل هذه القدرة.
وإن اللغات لها نظام منطقي، مما يعني أن اللغات لها قواعد محددة لتكوين وانشاء الجمل. مثلا في العربية تبدأ الجملة بالفعل، وفي الإنجليزية بالفاعل، وفي الأردية بالفاعل. وكذلك يكون الفعل مذكرا، إذا كان الفاعل مذكرا. ويكون الفعل مؤنثا إذا كان الفاعل مؤنثا. كذلك يكون الفاعل دائما مرفوعا مثلما يكون المفعول منصوبا. فكل هذا تحت نظام منطقي يمكن لنا أن نبرر ذلك.
إن اللغات في أصلها أصوات، إذ يتعلم الطفل أولًا الأصوات ثم يصبح قادرًا على كتابتها باستخدام الرموز الكتابية. ولذا نلاحظ أن عددا لا يحصى من الأشخاص في مجتمعنا يجيدون التحدث والتكلم بلغتهم بطلاقة، ولكن لا يقدرون على قراءتها أو كتابتها. فإن اللغة أصلا أصوات، والكتابة وسيلة لتدوين تلك اللغة المنطوقة. وكذلك إن اللغات إبداعية، وقادرة على إنتاج عدد لا نهائي من الجمل باستخدام بضع كلمات فقط، ويمكن للمتحدث بناء مئات الجمل المختلفة بمعانٍ متعددة.
ومن أهم الميزات المشتركة بين جميع اللغات ووظائفها أنها وسيلة للتعبير عن المشاعر والأحاسيس، كما أنها أداة أساسية للتفاعل الاجتماعي بين الأفراد والمجتمعات. وكذلك يمكن من خلالها نقل الأفكار والمعلومات إلى الآخرين. وإن اللغات تعكس ثقافة المجتمع وتاريخه وهويته، فمن خلال اللغة، تنتقل العادات والتقاليد من جيل إلى آخر.
قال وليم فون همبولت، عالم لغوي وفيلسوف ألماني: “اللغة ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي الأداة التي تتشكل بها أفكارنا.”
الخاتمة:
تُعدّ اللغة من أهم وسائل التواصل والتعبير عما تخطر ببالنا، فهي ليست مجرد أصوات وكلمات، بل لها نظام منطقي يعكس الفكر والثقافة والهوية للمجتمع. ورغم اختلاف اللغات وتعددها، إلا أنها تشترك في خصائص أساسية تجعلها وسيلة فعالة لنقل المعرفة والتفاعل الاجتماعي. وهكذا، تظل اللغة جسرًا يمتد بين الأجيال، تحفظ بها الأمم تراثها، وتبني بها حضاراتها، وتُسطّر بها صفحات المستقبل.