استعراض رواية  ”أحببتك أكثر مما ينبغي“

أحببتك أكثر مما ينبغي
  • اسم الكتاب: أحببتك أكثر مما ينبغي
  • اسم المؤلف: اثير عبد الله النشمي
  • عدد صفحات الكتاب: 326 صفحة
  • الناشر: دار الفارابي للنشر والتوزيع
  • تاريخ النشر: 2009

التمهيد:

من خلال أسلوب سردي جذاب ، تقدم الرواية رؤية عميقة للحب وما يحمله من مشاعر متناقضة و تأخذنا في رحلة عالم الحب والعشق من خلال سرد قصة الحب المعقدة التي بدأت فصولها بكندا وانتهت بالسعودية. عبرت الكاتبة في الرواية عن حالة الحب الذي يختلجه التناقض في قلب المرأة التي تصارع للحفاظ على استمرارية الحب على إدراكها بتلاعب الطرف الأخر ووعيها بأنها لن تحصل على أمانيها معه.

نبذة عن حياة الراوية:

 أثير عبد الله النشمي كاتبة سعودية وُلدت في عام 1984، اشتهرت برواياتها التي تتناول موضوعات الحب والمشاعر الإنسانية. درست الأدب الإنجليزي وبدأت مسيرتها الأدبية عام 2009 بروايتها الأولى أحببتك أكثر مما ينبغي، التي حققت نجاحًا واسعًا. تتميز كتاباتها بأسلوب شعري وقدرة على تجسيد الصراعات النفسية والثقافية، تتميز أعمال أثير بأسلوبها العاطفي والقدرة على استكشاف أعماق المشاعر الإنسانية مما يجعلها واحدة من أبرز الكاتبات في الأدب العربي المعاصر.  صدرت لها العديد من الأعمال الروائية ك”أحببتك أكثر مما ينبغي” عن دار الفارابي عام ٢٠٠٩، و “في ديسمبر تنتهي كل الأحلام” عام ٢٠١١، و”فلتغفري” عام ٢٠١٣، “ذات فقد” عام ٢٠١٥ وغيرها.

 الربط بين عنوان الرواية ومحتواها :

عنوان الرواية احببتك اكثر مما ينبغي يعكس بدقة مضمون الرواية بحيث كيف الحب المفرط العميق يقود الإنسان إلى تجاهل قيمه الشخصية وسعادته من أجل شخص لا يبادله المشاعر ذاتها، فعنوان الرواية احببتك اكثر مما ينبغي يعبر عن الصراع الداخلي الذي تعيشه جمانة صراع عقلها وعن حدود العشق والمحبة التي تجاوزتها لكي تلتقي بحبيبها،  حيث إنها كانت تدرك أن حبها أكثر مما ينبغي ومع ذلك تحولت الى أسيرة لهذا الحب المفرط غير المتكافئ، والذي جعلها تعيش سلسلة من الآلام والمصائب والتضحيات.

تلخيص الرواية:

“أجلس اليوم إلى جوارك أندب أحلامي الحمقى غارقة في حبي لك ولا قدرة لي على انتشال بقايا أحلامي من بين حطامك لا أدري لماذا تتركني عالقة بين السماء والأرض لكني أدرك بأنك تسكن أطرافي وبأنك عزيز كما كنت احببتك اكثر مما ينبغي و احببتني اقل مما استحق” بهذه العبارات تبدأ الرواية التي تروى من منظور جمانة البطلة الرئيسية وهي شابة سعودية في كندا بهدف إكمال دراستها، تتميز بشخصيتها العاطفية و الحساسة حيث تقع في حب عبد العزيز وهو شاب سعودي أيضا ذو شخصية متقلبة و أنانية يعيش حياة حرة لا تكثرت كثيرا للاتهامات والشكوك والشبهات، إلا أن جمانة تنجرف في حب عبد العزيز وتغرق فيه. 

تبدأ الرواية بسرد جمانة للعديد من المواقف بينها وبين عزيز بحرقة وندم، والتي لطالما كانت تمثل فيها الفتاة العربية التقليدية الضعيفة رغم كل ما تتعرض له من قبل حبيبها من خيانة خذلان و كسر لكنها تبقى خاضعة لحب لا يرتقي بمستواه. تتوالى الأحداث و تجد جمانة نفسها في دوامة من الألم بسبب خيانات عزيز و تجاهل لمشاعرها ، يذيق عزيز جمانة أمر العذاب بشكوكه و ظنونه  و تأخذ جمانة دور الضحية العاشقة  .

في إحدى المرات تلتقي جمانة التي كانت برفقة صديقتها الكويتية هيفاء بماجد الرجل الإماراتي يدفعها رسالة يظهر فيها حبه لها، وسرعان ما تخبر جمانة عبد العزيز عن هذا الموقف حتى ينهال عليها بسيل من الاتهامات بالخيانة  والخداع ويجبرها على الاعتراف بذنب لم تقترفه وبجريمة لم ترتكبها، ويتخذ من هذه الحادثة دريعة و يضعها بين خيارين إما العيش معه أو تحمل تبعات قرارها. ترفض جمانة هدا العرض فتفاجأ بردود فعل عزيز الجنونية حيث لا يتردد في الوشاية عنها لوالدتها عن علاقة مزعومة مختلقة مع رجل متزوج، ثم الإقدام على الزواج مع إحدى صديقاته السابقات.

تبدأ جمانة في إدراك أن هذا الحب ليس صحيا بل يجعلها تعيش في رحلة من الألم و اليأس والمعاناة، تتعمق الرواية في تفاصيل العلاقة بين جمانة وعبد العزيز من خلال استذكار العديد من الذكريات الجميلة منها والمؤلمة، وتعبر عن جميع الخدعات والاحتيالات التي بررته بدافع الحب، وتظهر الضعف والانكسار على عدم القدرة على خوالجها ومشاعرها، وتتأزم العلاقة بينهما وتصل إلى ذروتها ولكن عبد العزيز يعرف كيف يعيد جمانة إلى نفسه ويدللها، و يقرران السفر إلى الرياض لتتم خطبتهما لكن الأمور تعود  إلى نصابها الحقيقي، فهذا الشاب لم يتغير ويعود مرة أخرى ليسقطها من جديد، فيحدث الفراق مجددا، وتتوصل جمانة في اخر الرواية إلى أنها أحبته أكثر مما ينبغي و أحبها أقل مما تستحق.

الفكرة و الشخصيات:

تقدم الرواية رؤية عميقة عن العلاقات العاطفية وتأثيرها على النفس البشرية موضحة كيف يتحول الحب غير المتوازن لمصدر معاناة و ألم ويخدش كبريائه و يجعل الإنسان يخسر نفسه و كرامته. ما عدا الشخصيات الرئيسية هنالك العديد من الشخصيات الثانوية كهيفاء، صديقة جمانة التي قدمت لجمانة الدعم النفسي وساعدتها في التفكير بشكل منطقي وتحثها على التفكير في مستقبلها بعيدا عن الألم الذي تعاني منه بسبب عبد العزيز، تعكس هذه الشخصية دور الأصدقاء في الدعم العاطفي وكيف يمكن أن يكون لهم دور في تجاوز الأزمات العاطفية.

زياد، صديق عبد العزيز وجمانة، يظهر شخصية مختلفة عن عبد العزيز حيث يعتبر أكثر اهتماما والتزاما. يقدم زياد الدعم لجمانة وتمثل شخصية زياد الخيار الآخر أي كيف يمكن للحب أن يكون صحيا ومتوازنا. تعكس شخصية والدة جمانة القيم والتقاليد الاجتماعية التي نشأت فيها جمانة، فهي الأم الحنون التي تظهر اهتماما كبيرا لمستقبل جمانة و تخشى على ابنتها من العواقب السلبية لعلاقتها مع عبد العزيز. تتفاعل شخصيات الرواية مع بعضها البعض مما يعكس تعقيدات العلاقات الإنسانية وتأثيرها على الأفراد.

الزمان و المكان و صراع الشخصيات :

تدور أحداث الرواية في زمن معاصر حيث تعيش جمانة صراعاتها العاطفية والفكرية كطالبة جامعية عربية في كندا ما يضعها في بيئة جديدة بعيدة عن وطنها وعائلتها تشعر فيها بالوحدة و الغربة. تتنوع صراعات جمانة الداخلية بين حبها الشديد لعزيز ووعيها بالأم التي تحن عليه،كما تجد نفسها تواجه صراعا آخر مرتبطا بقيم عائلتها التي تتوقع منها الالتزام بالتقاليد و البحث عن علاقة مستقرة امنة، وهذا ما جعلها عالقة في دوامة عالقة في متطلبات المجتمع وتحديات حب غير متوازن.

اللغة والحوار :

اعتمدت الكاتبة على اللغة العاطفية والأسلوب الأدبي الشعري حيث تبرز مشاعر الحب والألم والضعف و تستخدم كلمات قوية ومؤثرة لتعبر عن الصراعات العاطفية التي تعيشها جمانة. أسلوب السرد يُغرق القارئ في مشاعر البطلة، إذ تكثر فيه الصور البلاغية والأوصاف الدقيقة التي تعكس الألم والمعاناة الناتجة عن علاقتها المضطربة مع عزيز. ولغة الرواية تجعل القارئ يشعر بما تعيشه جمانة، وتحمله إلى عالمها العاطفي بصدق وجاذبية.

أما الحوار، فهو مباشر وواقعي ويعكس جوانب شخصية كل من جمانة وعزيز بشكل جلي. الحوارات بينهما تكشف عن التوتر والشدة والجذب في علاقتهما، وتوضح اختلافات وجهات النظر والقيم التي تخلق الصراع بينهما. كما أن الحوارات مع الشخصيات الأخرى، كهيفاء وزياد، تُظهر دور الأصدقاء في توجيه جمانة وتقديم النصيحة والدعم، ما يبرز تأثير المحيطين بها على قراراتها.

الحبكة:

تتمحور الحبكة حول العلاقة العاطفية العميقة و المتأزمة بين جمانة، وعزيز، الشاب الذي يعاني من عدم استقرار عاطفي ويظهر سلوكيات متقلبة في علاقته معها. تبدأ الأحداث بمشاعر جمانة المتأججة تجاه عزيز، إذ تعيش في حالة من التعلق العاطفي الشديد رغم معاناتها المستمرة بسبب أفعاله المتناقضة، ولكنها تجد نفسها غير قادرة على إنهاء علاقتها معه بسبب حبها العميق له.

تتطور الحبكة عندما تتفاقم مشاعر الشك والألم لدى جمانة، وتجد نفسها عالقة بين تعلقها بعزيز ووعيها بأن هذا الحب يقودها نحو الهاوية. يبرز الصراع الداخلي لجمانة كأحد محاور الحبكة الأساسية، حيث تتأرجح بين القلب الذي يريد الاستمرار والعقل الذي يحثها على الانفصال. تتعقد القصة بتدخل الأصدقاء المقربين، مثل هيفاء وحب عبدالعزيز المتزايد لجمانة ووالدة جمانة التي كانت تحاول تقديم الدعم لجمانة لتجد طريقها نحو الأمان والاستقرار النفسي،

تصل الحبكة إلى ذروتها عندما يفترق عبد العزيز و جمانة بعدما اتهمها بجرم لم ترتكبه، وتحت وطأة هذا الشك صب عليها شتى أنواع العذاب من زواج مفاجئ إلى وشاية مريرة إلى أهلها، يحاول إصلاح ما كسره بخطبتها ولكن الفراق يخيم عليهما مرة أخرى  لأنه لم يتغير آنذاك .

تتناول الرواية بذلك قضايا الحب غير المتوازن وكيف يمكن أن يتحول إلى مصدر ألم وصراع داخلي، وتعرض رحلة البحث عن الذات والاختيار بين الحب المؤلم أو السلام النفسي.

Scroll to Top