- اسم الكتاب: درج الليل درج النهار
- اسم المؤلف: نبيل سليمان
- عدد الصفحات: ٢٩٤
- الناشر: دار الحوار للنشر والتوزيع
- الطبعة: الطبعة الأولى
المحتويات
إن رواية ”درج الليل درج النهار“ كتبها الكاتب السوري نبيل سليمان. ولد نبيل سليمان في صافيتا، إحدى مدن محافظة طرطوس في سوريا، عام ١٩٤٥. درس الشعر والأدب العربي منذ طفولته حتى تخرج من قسم اللغة العربية بجامعة دمشق عام ١٩٦٧. وبدأ مسيرته المهنية، وعمل في مجال الدراسة بين ١٩٦٣-١٩٧٩. كتب أكثر من ٥٠ كتابا في مجالات مختلفة، ويتجاوز عدد رواياته أكثر من ٢٠. ترجمت مؤلفاته وكتبه إلى الإنجليزية والروسية والفارسية الأسبانية. ومن أعماله: ينداح الطوفان، ثلج الصيف، ليل العالم، تاريخ العيون المطفأة، دلعون وغيرها. حصل على عديد من الجوائز الأدبية، ومن آخرها جائزة سلطان العويس الثقافية ٢٠٢١. يتميز نبيل سليمان بأسلوبه الفريد حيث يتناول موضوعات اجتماعية وسياسية تتعلق بسوريا، مستخدما الواقعية والرمزية لتصوير الأحداث والصراعات التي يواجهها المجتمع السوري.
تلخيص الرواية:
(ستظل تتشكك بالنجاة حتى تتنقع بالماء الساخن المعطر. الآن صارت طرابلس بعيدة حقا، لكن عشرة أيام من المفاوضات والمواعيد السائبة وثرثرات الجلسات الطويلة لم تكن. لكن لم تختنق ليلة بالوحشة كلما انصرفوا وتركوك وحيدا……) بهذه العبارة تبدأ الرواية بمنظور ربيع لشلاش، زوج جنان، الذي يعود من تونس ويلتقي بالمروجة المحجبة، مندوب صالون مرمر، رحاب في بيته. وهي تخبره عن زيارة زوجته إلى الصالون للتجميل، وتحضره بهديتين: واحدة لزوجته جنان، وأخرى للدكتور عيسى نزهان، بسبب عدم إحضار الهدايا لهما من طرابلس وتونس.
يتعرف ربيع على نساء أخريات، منهن ونسة، الايزيدية، شقيقة حسين بن عابد النوري، الذي كان مهندسا مرموقا، وممثلا لشركة زيغرز. نشأت العلاقة الغرامية بينهما وازدادت حتى تخبره عن حكايتها بعاشقها، راكان ابن عثمان درويش، الذي كانا ألفا بعضهما من بعض. ومع مرور الأيام يغرم ربيع بفتاة جديدة، شهلة، التي كان سبق أن تزوجت من حسام درباس، وأنجبت منه ابنها سعيد. ازدادت المحبة والمودة بينهما، وتقاربا عاطفيا، بينما تعود جنان إلى البيت وتخبر ربيع عن كل ما حدث معها، ويتحدثان عن حادثة انهيار سد زيزون، الذي تدور الرواية حوله.
قضى صديق ربيع، وعضو المجمع ٢١، إياس سنوات في السجن بسبب آرائه، وتحمل الاعتداءات والنكبات حتى أنه تحول إلى حيوان، وانكسر تماما. وهنا تأتي نقطة مهمة للرواية حينما يفتضح السر للعلاقة بين ربيع وونسة، وكذلك علاقة جنان بالدكتور عيسى نزهان، رئيس المجمع ٢١. يصل ربيع إلى بيت إياس حيث يجد الكتاب باسم ”الشيطانيات“، ويناقشان حول ذلك الكتاب ومحتوياته ومضامينه.
والآن -كما مرض الدكتور عيسى نزهان- فيعلن في اجتماع المجمع ٢١ أن الأستاذ موسى نزهان، ابن اخيه، يكون الرئيس القادم للمجمع ٢١. لكن يطلع ربيع لاحقا على علاقة سرية بين جنان وموسى نزهان، مما يزيد من ارتباكه وشكه، ويقيم جميع أحداثه السابقة ويتحسر على كل ما حدث في الماضي، ويأتي السؤال ”من العاشق؟ ومن العاشقة؟“. كذلك نشأت العلاقة بين إياس وونسة وتخبره عن سبب مفارقتها مع ربيع، ويخططان للعيش معا في المستقبل.
يخبر إياس ونسة عندما تعود من هانوفر عن عائلته، وعن أخويه ورد، طالب إدارة الأعمال في لندن، وضرار، نجم في عالم المال والأعمال. كذلك يخبرها عن كل ما يحدث معهما ومع عائلته بجانب التدخلات السياسة في شؤونهما. وفي إحدى الليالي تخبر شهلة رحاب عن حكاياته وذكرياته مع ربيع لشلاش، و المعاناة والمأساة في بيت زوجها حسام، وعن شوقه ورغبته في لقاء ابنها سعيد، إثر المفارقة بينهما.
وفي هذه الأثناء، يتهالك المجمع ٢١ بعد تولى موسى نزهان قيادته، ويجدد أعضاء المجمع وفعالياته بسبب المخالفات والتناقضات في المجمع. بينما يجتمع كل من هاني، رحاب، وشهلة على شاطئ البحيرة، ويتبادلون الذكريات الماضية، حتى يذكر الكاتب عن انهيار سد زيزون، ويشبهه بطوفان نوح الذي أرسلته السماء على سيدنا نوح. ويذكر الكاتب بالتفصيل عن الأحداث والكوارث في المنطقة بعدما انهار سد الزيزون.
كذلك شبه الكاتب نجاة الناس من سد زيزون مثل نجاة الناس في سفينة نوح حيث قال الله تعالى (اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها)، وبين الكاتب عن أحوال النجاة وحوادثها. ويسلم المجمع مسؤولية التحقيق في انهيار سد زيزون لإياس حيث يخبرهم بعد التحقيق بأن ”الخسائر، مبدئيا ٨٦ مليون دولار قيمة المياه المهدورة وفوقها المحاصيل و..“، فيقسم موسى نزهان لجنة التحقيق إلى لجنتين: لجنة فنية ولجنة أمنية، لدراسة عميقة لهذه التسريبات والانهيارات في سد زيزون.
وفي أثناء ذلك، تعرفت شهلة على طبيب، الدكتور طرفة، ونشأت العلاقة الجديدة بينهما. بينما توفي الدكتور عيسى ويبقى موته سرا حيث لم يعلم أحد أنه توفي بالرصاص أو الانتحار أو بسبب آخر. ويمرض إياس ويصاب بالسرطان حتى يدخل في المستشفى، وهنا تعني ونسة بإياس كل العناية وتهتم به حتى يجيئ الخبر عن سقوط بغداد وينتشر الهرب والكرب في جميع الأمكنة حتى يكتب مقالة عن هذه اللحظات التاريخية التي شهدها. ينتهي الأمر بطلاق ربيع من جنان، ومفارقة شهلة للدكتور طرفة.
وفي المجمع ٢١، تتغير الأشياء بأكملها في عهد موسى نزهان، حيث شمل موسى نزهان كلا من أقربائه، وأصدقائه، و كل من عرفه في داخل الدولة و خارجها حتى تحول الزيزون القديم إلى الزيزون الجديد. ينقل إياس إلى غرفة العمليات، وهنا يشير إلى بعض الكتب التي اشتراها، والدفاتر التي كانت تحمل تاريخ يوم من أيام اياس في المستشفى. وأخيرا تنتهي الرواية بتمنى إياس أنه يريد أن يموت ويحيى عند ونسة ”بينما تولد هي ويولد هو في قلع تضيء على وجه الماء. وأخذت القفة تتراقص بهما فرحا“.
الشخصيات:
ربيع لشلاش: زوج جنان، ومهندس يغرق في علاقته مع ونسة، وشهلة. يمثل الشخصية التي تفتقد الحب في بيته، فتبحثه في الخارج. مما يعكس صراعاته الداخلية بين الواجبات الزوجية والرغبات الشخصية. شهلة: فتاة مطلقة من حسام، تتمرد على التقاليد الاجتماعية، وتثور على الحدود الاجتماعية. تشارك في المظاهرات السياسية، وتسعى تبحث عن ذاتها وحريتها في مجتمع ظالم ثائر لا يرحم ولا يستعطف. جنان: زوجة الربيع، ومسؤولة عن سد زيزون تجادل دائما بنفسها بين الحياة المهنية والشخصية، وتجد نفسها متورطة بين الحياة الزوجية والمسؤوليات الخارجية، حيث تجد علاقتها مربوطة بعيسى نزهان وموسى نزهان.
إياس: صحفي، أصيب بالسرطان، وسجن بسبب آرائه وشجاعته. إنه يمثل الشخصية التي تحمل العبء والثقل الوطني ويعيش حياته بين الحلم والخذلان. ونسة: فتاة إيزيدية تعبد الشيطان، لكنها نموذج للحب والحنان حيث تنذر حياتها لإياس في حال إصابته بالسرطان رغم الفوارق والاختلافات الدينية والروحية. عيسى نزهان: مهندس و رئيس المجمع ٢١، كان رمزا للثورة والتمرد في الماضي، ولكن حاضره أصبح كالعدم وفقد صوته في المجمع. موسى نزهان: ابن أخي عيسى، وخليفته في المجمع، يريد أن يقبض على النظام بأكمله، ويطيح بكل من كان مساندا ومساعدا للدكتور عيسى، ويعين الأشخاص من عائلته وأصدقائه وأقربائه.
ومن الشخصيات الأخرى للرواية هي: راكان درويش، رحاب بنت محمود نجا، ضرار قمر الدين، ورد قمر الدين، الدكتور طرفة خير الله، حسام، هاني، وغيرهم.
الأسلوب واللغة:
إن أسلوب الرواية فريد ومتميز حيث استخدم التشبيهات والاستعارات القريبة من أذهاننا ودماغنا. وكذلك يمتزج في أسلوب هذه الرواية السرد والوصف والحوار، حيث يكون الحوار في بعض الأحيان مباشرا، وأحيانا غير مباشر. بالإضافة إلى ذلك، استخدم الكاتب الجزء المهم للبلاغة، الاقتباس، حيث يضمن الآيات من القرآن الكريم ويضيف إليها بعضا من كلامه. مثلا ”وفجأة اختفى الصوت إذ زلزل السد زلزاله وأخرج أثقاله وأرسل إلى السماء سحابا فجعلته ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرف عن من يشاء يكاد سنابرقه يذهب بالأبصار“.
كذلك كتب ”ونجا من كان في السفينة بعد رتق الفتق وخشب بسم الله مجراها ومرساها حتى رست على جبل الجودي“. ويُلاحظ أيضًا حضور لغة شعرية خافتة في السرد، تظهر في اختيار الألفاظ، وترتيب الصور، والإيقاع الداخلي للجمل.
الحبكة:
تقسم الرواية إلى قسمين، يحتوي كل منهما على ثلاثة فصول، ثم يشتمل الفصل الأول أربعة أبواب، والفصل الثاني ثلاثة أبواب، والفصل الثالث عشرة أبواب، والفصل الرابع بابين، والفصل الخامس ثلاثة أبواب، والفصل السادس خمسة عشر باب. وإن حبكة هذه الرواية قوية وممتازة جدا، حيث يتسم الفصل الأول ب”درج النهار“، والفصل الثاني ب”درج الليل“ والفصل الثالث ب”درج الليل…والنهار“ مما يخلق ربطا معنويا قويا بين فصول الرواية وأبوابها.
وتعتمد هذه الرواية على ”الفلاش باك“ الاسترجاع الفني، مما يعني أن الكاتب يبين الوقائع والأحداث، ثم يتوقف على نقطة، ويتذكر الحادثة أو الواقعة أو الشخصية التي حدثت سابقا، تتعلق بهذا الموقع، وهذا يزيد التشويق والرغبة في متابعة الأحداث، ويملأ القارئين بالمعلومات الهامة المتعلقة بالأحداث. ولكن في بعض الأحيان، نجد البعد المعنوي، والغموض القصصي في الرواية حيث لا يقدر القارئ على أن يخلق الربط بين الأحداث التي مضت، والوقائع التي تذكر لاحقا.
الأفكار:
إن عنوان “درج الليل… ودرج النهار“ يشير إلى التناقض والتناوب بين الليل والنهار، استعارة من النور والظلمة. يبين هذا العنوان الصراع بين الأمل واليأس، بين الفرح والهم، بين الحلم والانكسار، بين الحياة والموت. وهذا يشير إلى الحالة السورية التي تعيش بين المعرفة والجهل، بين الحرية والقمع.
تدور الرواية بشكل رئيسي حول سد زيزون وانهياره، حيث يقع في بلدة زيزون، بمحافظة حماة، سوريا. انهار سد زيزون في عام ٢٠٠٢ وأدى إلى موت وتشريد عدد هائل من الناس. حاول الكاتب أن يثبت أن إنهيار سد زيزون ليس فقط حادثة طبيعية أو هندسية، بل إنه إنهيار إداري، وسياسي، واجتماعي، وأخلاقي. إنه أشار إلى الفساد المتراكم في النظام والإدارة من الرأس إلى القدم، والتستر في الحقائق والأسرار، والغش والخداع والخيانة في بناء السد، وكل هذه الأحداث والوقائع تؤدي إلى جريمة جماعية، وحادثة فظيعة.
أشار الكاتب من خلال هذه الحادثة، أن في هذا النوع من الحوادث، لا يكون الشخص الوحيد مسؤولا، بل كل من هو ينخرط وينضم فيه يساهم إلى حد ما في وقوع تلك الحوادث. كذلك أشار الكاتب إلى أن المثقفين والواعين يسعون، ويبذلون قصارى جهودهم في إفشاء العيوب، وكشف الستار عن الجرائم، ونضال من الأعداء، وكفاح من النظام السيء، ولكنهم يبقون وحيدين في الطريق، ويعيشون في الذل والخسران بسبب الاضطهاد والظلم الذي يقوم به ذلك النظام، حتى ييئسون ويستلمون أمام تلك القوة.
بالإضافة إلى ذلك، أشار الكاتب إلى التأملات الدينية، والفروق الروحانية بين الخير والشر، ويطرح أسئلة حول الوجود والفناء، والطاعة والمعصية. مثلا ”من بعض الكتب نقلت هنا أن الشيطان لا يظهر عليه الموت، كأنه رب خالد مخلد في الشر“. كذلك ذكر ”وما كان في أهل السماء موحد مثل إبليس“. وكذلك أخذ الاستشهاد من القرآن الكريم في مرات حتى وضع عنوانا بآية القرآن الكريم ”حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور“. هكذا يحفز الكاتب على التفكير العميق في المعاني الدينية، والتأملات الفكرية.
كذلك أشار الكاتب إلى الاضطراب الداخلي والنفسي الذي كان يعاني به جميع الشخصيات من الدكتور عيسى، إلى شهلة، وجنان، وربيع، وإياس. حيث كل منهم كانوا يناضلون من الفساد والظلم والاستبداد في الخارج، كما كانوا يكافحون من مشاعرهم وأحاسيسهم في الداخل. وهذا يشير إلى الطبيعة الإنسانية أن الإنسان يمر بمشاعر مختلفة في آن واحد، ويواجه الاضطراب الداخلي مثلما يعاني بالاضطراب الخارجي.
ويبدوا دور المرأة جليا وواضحا في الرواية حيث يحتلن مناصب مرموقة في الوزارات والشركات والجامعات، ويساهمن بنصيبهن بكل حرية واستقلال في التجارة والعمل، وفي نفس الوقت، يظهرن ضحايا كما تعاني شهلة بالاعتداء المنزلي من قبل أفراد عائلتها، وجنان تعيش في صراع داخلي بين حياتها الزوجية ومسؤولياتها العملية، كذلك رحاب وونسة وسبيحة أيضا يعانين بالقيود الاجتماعية.
وأخيرا، إن هذه الرواية ليست فقط بيان حادثة حدثت في سوريا، بل إنها تذكر وتبين عن العيوب والغش والخداع والظلم والفساد الذي يسود في النظام، تعلوا فيها الأصوات الحرة ثم تخفت، ترتفع فيها الصرخات ثم تنخفض، يحلم فيها الناس بالتغيرات ثم يفقدون الأمل، وكل هذا بسبب الخوف والفساد والخداع في النظام. فتكشف الرواية عن المشهد السوري سياسيًا واجتماعيًا، وثقافيا، عبر أحداث ووقائع مشتبكة من الشخصيات تتقاطع في الزمن والمكان، لتشكل صورة مؤلمة ومأساوية لحياة السوريين في ظل أنظمة الاستبداد والخراب.