اللهجات العربية القديمة

إن اللغة العربية لغة حية تاريخية قديمة تمتد جذورها إلى آلاف السنين، وهي تتفرع من اللغات السامية التي كانت تستخدم في شبه الجزيرة العربية وما جاورها. تنوعت لهجات اللغة العربية في جزيرة العرب بأسباب جغرافية واجتماعية وحتى فردية، فإن الجبال والوديان والصحراء فرقت بين القبائل، كما أن اختلاف لغة الطبقات العليا عن الطبقات الوسطى والدنيا أدى إلى الفوارق اللغوية، فنشأت عنها لهجات متعددة، وتعددت كثيرا. 

وقد أشار العلماء إلى هذه الظواهر اللغوية، ومن ذلك ما رواه أبو بكر محمد بن الحسن عن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب، إذ قال:”ارتفعت قريش في الفصاحة عن عنعنة تميم، وكشكشة ربيعة، وكسكسة هوازن، وتضجع قيس، وعجرفية ضبة، وتلتلة بهراء.“ وفيما يلي بيان لأشهر اللهجات والألقاب اللغوية التي تميّزت بها بعض القبائل العربية القديمة:

العنعنة: إبدال الهمزة عينا نسبة إلى تميم. يقولون: نشهد عنك رسول الله، بدلا من: نشهد أنك رسول الله. قال الشاعر الأموي، ذو الرمة: 

أعن ترسمت من خرقاء منزلة

ماء الصبابة من عينيك مسجوم

وقال الشاعر العباسي، إبراهيم بن هرمة: 

أعن تغنت على ساق مطوقة

ورقاء تدعو هديلا فوق أعواد

الكشكشة: إبدال الكاف المؤنث شينا مثل: عليش، منش، كتابش، في: عليك، منك، كتابك. تنسب هذه اللهجة إلى قبيلة مضر، وربيعة، وبني سعد. ولم تندثر هذه الظاهرة تماما، بل لا تزال تبقى آثارها في اللهجات الحديثة في الخليج، مثال: شلونش؟ (كيف حالك؟)، وين بيتش؟ (أين بيتك؟)، أقوللش (أقول لك). مثال:

فعيْناش عيناها وجيدش جيدها

ولكن عظم الساق منش دقيق

الكسكسة: إبدال كاف المؤنث سينا أو إلحاق السين بالكاف مثل: عليس، منس، كتابس، رأيتكس، أكرمتكس، في: عليك، منك، كتابك، رأيتك، أكرمتك. وتنسب هذه اللهجة إلى قبيلتي بكر وهوزان. مثال:

فأجابت حين تسمعني سؤالي

 عليس الله يفعل ما يشاء؟

العجعجة: إبدال الياء جيما نسبة إلى قبيلة قضاعة مثال: جاءنا الفتجْ، ومعه القاضجْ، في: جاءنا الفتى ومعه القاضي. أنشد رجل: 

عمي عويف وأبو علج

المطعمان اللحم بالعشج

وبالغداة كسر البرنج

تقلع بالود وبالصيصج

وأنشد أبو زيد:

يا رب إن كنت قبلت حجتج

 فلا يزال شاحج يأتيك بج

أقمر نهاز ينزي وفرتج

التلتلة: كسر حرف المضارعة مثال: تِعلم، اِسمع، نِفعل. وتعد هذه الظاهرة اللغوية أكثر شيوعا في القبائل خاصة في قبيلة بهراء، وبني أسد. قال الشاعر الأموي، أبو النجم العجلي:

أقبلت من عند زياد كالخرف
تخط رجلاي بخط مختلف
تِكتِّبان في الطريق: لام ألف

وقال شاعر: 

إذا نِزلت بساحتنا الأعادي

نِقاتلهم ونِمنع كل باغي

الطمطمانية: إبدال لام التعريف ميما مثال: امناس، امليل، امحم، في: الناس، الليل، اللحم. تنسب هذه اللهجة إلى قبيلة طيء، وحمير، والأزد وغيرها من جنوبي الجزيرة العربية. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن رجلاً من أهل اليمن سأله: هل من امبر امصيام في امسفر؟، فرد عليه صلى الله عليه وسلم: ليس من امبر امصوم في امسفر. وقد ورد شعر ينسب إلى رجل من حمير:

أمناس قد أقبلوا بالسلاح

وجاؤوا إلى الحرب دون اجتراح

الاستنطاء: جعل العين الساكنة نونا إذا جاورت الطاء مثل: أنطنا، بدلا من: أعطنا. قرأ الحسن البصري الآية: إنا أنطيناك الكوثر، بدلا من: أعطيناك. وروي هذا الحديث هكذا: (الله لا مانع لمن أنطيت، ولا منطي لمن منعت)، بدلا من: أعطيت ومعطي. تنسب هذه الظاهرة إلى قبيلة هذيل، وقيس، والأزد، وسعد بن بكر. قال الأعشى: 

جيادك خير جياد الملوك

 تصان الحلال وتنطي السعدا

وقال ثعلب:

من المنطيات الموكب المعج بعدما

 يرى في فروع المقلتين نضوب

الوتم: إبدال السين تاء في لغة اليمن، مثال: النات، بدلا من: الناس، كذلك الأكيات، بدلا من: الأكياس. مثال:

يا قاتل الله بني السّعلاة

 عمرو بن يربوع شرار النّات

غير أعفّاء ولا أكيات

الفحفحة: إبدال الحاء في ”حتى“ عينا نسبة إلى قبيلة هذيل. مثال: انتظر عتى آتيك، بدلا من: انتظر حتى آتيك، كذلك عتى حين، بدلا من: حتى حين. ويقلب بعض العلماء الحاء عينا في غير ”حتى“، مثال: اللعم الأعمر أعسن من اللعم الأبيض، بدلا من: اللحم الأحمر أحسن من اللحم الأبيض. 

الوهم: كسر الهاء في ضمير الغائب المتصل مثال: منهِم، عنهِم، بينهِم، بدلا من: منهُم، عنهُم، بينَهم. 

الوكم: كسر الكاف في ضمير الحاضر المتصل مثال: بكِم، منكِم، فيكِم، بدلا من: بكُم، منكُم، فيكُم. 

Scroll to Top