الأستاذ مسعود عالم الندوي

الأستاذ مسعود عالم الندوي عالم نابغ، وأديب أريب، وصحفي كبير ولد في ۲۱ من شهر المحرم ١٣٢٨هـ المصادف ل١١ فبراير عام ١٩١٠م في قرية ”أوكاوان“ بمحافظة بتنه بولاية بهار. نشأ وترعرع في أسرة علمية دينية مشهورة بالزهد والتقوى، تعود أصولها إلى سلالة الشيخ السيد أبي الفرح الواسطي الزيدي الحسيني من ذرية سيدنا حسين بن علي. وكان والده السيد عبد الفتح عبد الشكور من كبار علماء ولاية بهار، فتولى تربية ولده، وعني برعايته عناية بالغة.

تلقى مبادئ الدراسة على يد والده حيث كان يعلمه العلوم الشرعية والعربية ثم دخل المدرسة الحكومية. وللحصول على التعليم العالي، التحق بالمدرسة العزيزية ببلدة بهار شريف، وتخرج فيها حاملا شهادة العالمية. وأثناء دراسته، انكب على مطالعة  كثير من المجلات والصحف العربية التي كانت تصل إليها مثل: الهلال لجرجي زيدان، والمؤيد للشيخ علي يوسف وغيرهما. ثم التقى مسعود عالم الندوي بالسيد سليمان الندوي، وطلب منه المشورة في مجال تعلم العربية وآدابها. فأشار عليه بالذهاب إلى دار العلوم ندوة العلماء في لكناو، فالتحق بها في ١٩١٨م واستفاد من علمائها وأساتذتها، ومن أبرزهم: العلامة الدكتور تقي الدين الهلالي، حتى أصبح خير ترجمان لفكرة ندوة العلماء.

الأستاذ محمد محمود حافظ الندوي: ”لشغفه بالأدب العربي، ومطالعته الواسعة لتاريخ اللغة العربية وآدابها، والاطلاع الواسع العميم الذي ساعد على تكوينه ذكاؤه وفطرته السليمة للأدب العربي، برع أسلوبه فيه وامتاز على أقرانه وظهرت علائم الأدب العربي وطلائعه على قلمه…ويساعده طموحه وشرفه الفطري للأدب على المزيد من الاستفادة من هذا المنهل الصافي الدافق، حتى غدا كواحد من أدباء العرب في الإنشاء والأسلوب.“ (البعث الإسلامي العدد الممتاز عن ندوة العلماء من شعبان إلى شوال عام ١٣٩٥هـ الموافق يوليو وأغسطس وسبتمبر عام ١٩٧٦م، ص ١٦٩) 

وبعد أن أنهى تعليمه في الندوة، عاد إلى بيته في بهار. وبدأ يدرس اللغة الإنجليزية. ولم تمض عليه إلا بضع سنوات إذ قرر السيد سليمان الندوي، المستشار التعليمي لندوة العلماء، والشيخ تقي الدين الهلالي، رئيس القسم العربي بندوة العلماء لإصدار مجلة ”الضياء“ من الندوة، واتفقا على أن يكون مسعود عالم الندوي رئيس تحريرها، ففرح لذلك كثيرا، ورجع إلى ندوة العلماء. واعترف بجدارته لهذا المنصب الأستاذ أبو الحسن الندوي: ”لم يكن أحد أحق بهذه الإدارة منه بين أقراننا فحسب، بل في الهند كلها.“ (پرانے چراغ للسيد أبي الحسن الندوي، ص ٢٨٧).

وطبعت مجلة الضياء لأربع سنوات، ثم توقفت طباعتها لعوامل عديدة. ومع ذلك، واصل مسعود عالم الندوي جهوده في الصحافة بكل شوق ورغبة، حتى يعد رائد الصحافة العربية في الهند، وانتشرت سمعته في العالم. وفي الوقت نفسه، ظل يدرس في دار العلوم ندوة العلماء، ولم يتوقف عن نشر آرائه وأفكاره في المجلات والصحف الأخرى مثل: الفتح، والدعوة، ومنبر الشرق.

وبعد أن غادر ندوة العلماء، توجه مسعود عالم الندوي إلى بجنور، وشارك في إصدار جريدة “المدينة” الصادرة من هناك. ثم انتقل بعد ذلك إلى مكتبة خدا بخش في بتنه باقتراح من العلامة السيد سليمان الندوي، ليعمل مفهرسا للمخطوطات العربية. وهناك أعد مسعود عالم الندوي مخطوطات ضخمة في هذه المكتبة العريقة تحت رعاية الحكومة الهندية البريطانية، تضم تراجم المؤلفين وذكر الكاتبين حتى أصبحت المخطوطات مصادر غنية للباحثين والمحققين، ووثائق حافلة بالمعلومات القيمة.  

وأثناء قيامه ببتنه، انخرط العلامة الندوي في أنشطة علمية وسياسية، فإنه انضم إلى ”حزب اندبندنت“ المسلم على صعيد ولاية بهار تحت إشراف القائد السياسي، أبي المحاسن سجاد، وأصدر مجلة باسم ”الهلال“ تذكر وتنشر نشاطات هذا الحزب وأعمالها. كذلك شارك كتاباته ومقالاته في مجلات مختلفة مثل: مجلة ”المعارف“ الصادرة من دار المصنفين للعلامة السيد سليمان الندوي، ومجلة ”نديم“ الصادرة من غيا للأستاذ رياست علي الندوي، وغيرهما.

وقد تأثر مسعود عالم الندوي بحركة الجماعة الإسلامية التي أسسها السيد أبو الأعلى المودودي وبمجلته ”ترجمان القرآن“، فالتحق بالجماعة الإسلامية وأصبح أميرا لها لأيام في ولاية بهار. وتنقل العلامة الندوي في أنحاء شبه القارة من بنجاب، لاهور، بتهانكوت، إلى راولبندي، كوجرانواله، حيدرآباد لنشر الجماعة الإسلامية حتى أسس دار العروبة للجماعة الإسلامية.  

قام العلامة الندوي برحلات إلى عدد من البلدان العربية منها العراق، وسوريا، والكويت، والمملكة العربية السعودية وغيرها، وعرف أثناء زيارته بحركة الجماعة الإسلامية، ونشر الكتب لأبي الأعلى المودودي في هذه البلدان. وقد ترجم العلامة الندوي كثيرا من مؤلفات المودودي إلى العربية مثل: الدين القيم، شهادة الحق، نظرية الإسلام السياسية، الإسلام والجاهلية، نظام الحياة في الإسلام وغيرها.

وكان مسعود عالم الندوي يرفع صوته ضد الظلم والفساد، وينطق لسان الجماعة الإسلامية، فاعتقل ومكث في السجن أربعة أشهر. وبعد أن أطلق سراحه من السجن مكث في كراتشي بعض الأيام، حتى أنشبت المنية أظفارها وانتقل إلى جوار رحمة الله تعالى في ١٦ مارس عام ١٩٥٤م الموافق ١٠ رجب ١٣٧٣هـ.  

مؤلفاته: تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند، شهور في ديار العرب، مکاتیب سلیمان، حاضر مسلمي الهند وغبارهم، الاشتراكية والإسلام، تأثير الإسلام في الشعر العربي وغيرها.

الأستاذ محمد محمود حافظ الندوي: ”إن الأسلوب الأدبي الرقيق والخيال العميق والفكرة الواضحة للدعوة مع قوة البيان والتبيان في التعبير والأسلوب في كتابات الأستاذ مسعود يصعب به علينا أن نعرف إن كانت هذه المقالات والأبحاث لرجل من الهند أنها موهبة وهبها الله تعالى ومنة منه عليه…بل فطرة وموهبة اختلطت بنفسيته وتجلت على قلمه“. (البعث الإسلامي العدد الممتاز عن ندوة العلماء من شعبان إلى شوال عام ١٣٩٥هـ الموافق يوليو وأغسطس وسبتمبر عام ١٩٧٦م، ص ١٧٠) 

Scroll to Top