تعريف الموشحات: الموشحات نوع من أنواع الشعر العربي الذي يمتاز بجماله في الغناء والقوة في المعاني. وكلمة الموشحات جمع موشحة، وهي مشتقة من الوشاح الذي تتخذه المرأة للزينة، يعني العقد من لؤلؤ معطوف أحدها على الآخر. قال ابن منظور في لسان العرب: ”الوشاح: كله حلي النساء، كرسان من لؤلؤ وجوهر منظومان مخالف بينهما معطوف أحدهما على الآخر.“ (ابن منظور، لسان العرب، ج ٦، ص ٤٨٤١) قال كثير عزة:
كأن قنا المران تحت خدودها
ظباء الملا نيطت عليها الوشائح
سمي الموشح بهذا الاسم، لأن خرجاته وأغصانه وأقفاله تشابه مع الوشاح في جماله وشكله وبنائه. قال محمد بن فضل الله المحبي: ”سمي موشحا لأن خرجاته وأغصانه كالوشاح.“ (محمد بن فضل الله المحبي، خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، ج ١، ص ١٠٨)
وفي الاصطلاح: ”الموشح كلام منظوم على وزن مخصوص. وهو يتألف في الأكثر من ستة أقفال وخمسة أبيات ويقال له التام، وفي الأقل من خمسة أقفال وخمسة أبيات ويقال له الأقرع. فالتام ما ابتدئ فيه بالأقفال، والأقرع ما ابتدئ فيه بالأبيات.“ (ابن سناء الملك، دار الطراز في عمل الموشحات، ص ٢٥)
ماهية الموشحات: ”الموشح لون من ألوان النظم…يختلف عن غيره من ألوان النظم بالتزامه قواعد معينة من حيث التقفية، وخروجه أحيانا عن الأعاريض الخليلية، وبخلوه أحيانا من الوزن الشعري، وباستعماله اللغة الدارجة والعجمية في بعض أجزائه، وباتصاله الوثيق بالغناء.“ (مصطفى عوض الكريم، فن التوشيح، ص ١٨)
”وأما أهل الأندلس فلما كثر الشعر في قطرهم وتعذبت مناحيه وفنونه، وبلغ التنميق فيه الغاية، استحدث المتأخرون منهم فنا منه سموه بالموشح وينظمونه أسماطا أسماطا وأغصانا أغصانا، يكثرون منها ومن أعاريضها المختلفة. ويسمون المتعدد منها بيتا واحدا ويلتزمون عند قوافي تلك الأغصان وأوزانها متتاليا فيما بعد إلى آخر القطعة، وأكثر ما تنتهي عندهم إلى سبعة أبيات. ويشتمل كل بيت على أغصان عددها بحسب الأغراض والمذاهب، وينسبون فيها ويمدحون كما يفعل في القصائد.“ (ابن خلدون، كتاب العرب وديوان المبتدأ والخبر، الموشحات والأزجال للأندلس، ص ٣٢٠)
نشأة الموشحات: تتعدد آراء النقاد والكتاب حول أصل الموشح، فبعضهم أثبتوا أنه إسباني الأصل، وبعضهم قالوا إنه وليد الشرق، كذلك قال بعضهم إنه وليد الأندلس. ولكن كثيرا من النقاد القدامى اتفقوا على أن أصل هذا الفن يرجع إلى الأندلس بسبب عوامل عدة منها: البيئة، والمناخ، والطبيعة، والترف، والرخاء، والغناء، والموسيقي وغيرها.
قال ابن خلدون: ”وأما أهل الأندلس فلما كثر الشعر في قطرهم وتعذبت مناحيه وفنونه، وبلغ التنميق فيه الغاية، استحدث المتأخرون منهم فنا منه سموه بالموشح…“ (ابن خلدون، كتاب العرب وديوان المبتدأ والخبر، الموشحات والأزجال للأندلس، ص ٣٢٠)
قال ابن خاتمة في كتابه ”مزية المرية“: ”وهذه الطريقة من مخترعات أهل الأندلس ومبتدعاتهم الآخذة بالأنفس؛ هم الذين نهجوا سبيلها، ووضعوا محاصيلها.“ (المقري، أزهار الرياض في أخبار عياض، ج ٣، ص ٢٥٢)
فنشأ هذا الفن في الأندلس في القرن الثالث الهجري. كذلك تتنوع الاتجاهات والآراء في رائد فن الموشحات. فقال ابن بسام: ”وأول من صنع أوزان هذه الموشحات بأفقنا واخترع طريقتها -فيما بلغني- محمد بن محمود القبري الضرير… وقيل إن عبد ربه صاحب كتاب <<العقد>> أول من سبق إلى هذا النوع من الموشحات عندنا. ثم نشأ يوسف بن هارون الرمادي فكان أول من أكثر فيها من التضمين في المراكيز“(ابن بسام، الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، ج ١، ص ٤٦٩)
وقال ابن خلدون: ”وكان المخترع لها بجزيرة الأندلس مقدم بن معافي القبري من شعراء الأمير عبد الله بن محمد المرواني. وأخذ ذلك عنه أبو عبد الله أحمد بن عبد ربه صاحب كتاب العقد ولم يذكر لهما مع المتأخرين ذكر وكسدت موشحاتهما، فكان أول من برع في هذا الشأن بعدهما عبادة القزاز شاعر المعتصم بن صمادح صاحب المرية.“ (ابن خلدون، كتاب العرب وديوان المبتدأ والخبر، الموشحات والأزجال للأندلس، ص ٣٢٠-٢١)
فإن الآراء تختلف في تحديد أول من نظم في الموشحات، فبعضهم يقولون إنه مقدم بن معافي القبري، والبعض يقولون إنه ابن عبد ربه. فيستمر التطور هكذا حتى جاء يوسف بن هارون الرمادي وزين شكل هذا الفن. ويعد عبادة بن ماء السماء من أهم من كانوا يعدون من رواد هذا الفن، حيث يزينه ويحسنه ويعطيه شكلاً فنيا. قال ابن بسام: ”وكانت صنعة التوشيح التي نهج أهل الأندلس طريقتها، ووضعوا حقيقتها، غير مرموقة البرود، ولا منظومة العقود، فأقاد عبادة هذا منآدها، وقوم ميلها وسنادها، فكأنها لم تسمع بالأندلس إلا منه، ولا أخذت إلا عنه واشتهر بها اشتهارا غلب على ذاته، وذهب بكثير من حسناته.“ (ابن بسام، الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، ج ١، ص ٤٦٩)
ومن أشهر من نظموا في الموشحات بعد هؤلاء: ابن اللبانة، ابن حزمون، ابن باحة، ابن غرلة، لسان الدين بن الخطيب، ابن زمرك، ابو بكر بن زهر، الأعمى التطيلي، يحيى بن بقي و غيرهم.
سبب اختراع فن الموشحات: اخترع فن الموشحات في الأندلس بعدة أسباب منها: جمال الطبيعة، واعتدال المناخ، وشيوع الغناء والموسيقي، ومظاهر الترف والرخاء، والاحتكاك بالثقافات الأخرى وغيرها. نلم إلماما تاما بأن الأندلس تمتاز بطبيعتها الخلابة، وموسمها البهيج، والمناخ الملائم للعيش. وقد صف محمد بن عند المنعم الحميري بطبيعة الأندلس وجمالها: ”والأندلس شامية في طيبها وهوائها، يمانية في اعتدالها واستوائها، هندية في عطرها وذكائها، أهوازية في عظم جناتها، صينية في جواهر معادنها، عدنية في منا فع سواحلها…“ (محمد بن عند المنعم الحميري ، الروض المعطار في خبر الأقطار، ص ٣٣)
فأثرت هذه الطبيعة الجميلة في طبيعة أهل الأندلس، وظهرت في جميع أعمالهم وإنتاجاتهم، خاصة في أدبهم. كذلك كان الأندلسيون يتأثرون بالغناء الإسباني كثيرا، فتولدت فيهم الموسيقية، ونشأت الموشحات. وتجدر الإشارة إلى عامل الاستقرار السياسي في الأندلس حيث وفر الساحة لهذا الفن أن يتطور وينمو، فالمجالس والمحافل كانت تعقد، والقصائد تنظم لمدح الأمراء، والتكسب بها.
بناء الموشحات: تتكون الموشحات من سبعة أجزاء وهي: المطلع أو المذهب، الغصن، الدور، السمط، القفل، البيت، الخرجة. نموذج:
(غصن) (غصن)
(مطلع/مذهب) عبث الشوق بقلبي فاشتكى ألم الوجد فلبت أدمعي
أيها الناس فؤادي شغف (سمط)
وهو من بغي الهوى لا ينصف (سمط)
كم أداريه ودمعي يكف (سمط)
أيها الشادن من علمكا بسهام اللحظ قتل السبع (قفل)
المطلع: يسمى ”المذهب“ أيضاً، وهو الأشطار الأولى في الموشحة. فالموشح الذي يبتدئ بالمطلع فيسمى ”الموشح التام“، وإذا خلا منه فیسمی ”الموشح الأقرع“.
الغصن: كل شطر من أشطار المطلع يسمى ”الغصن“.
الدور: الأشعار التي تلي المطلع تسمى ”الدور“، ويبلغ عددها من ثلاثة إلى خمسة، وهو يخالف المطلع في القافية.
السمط: كل شطر من أشطار الدور يسمى ”السمط“، ويكون مفردا أي يتكون من فقرة واحدة.
القفل: الأشعار التي تلي ”الدور“ مباشرة تسمى ”القفل“ أو ”المركز“. ويتفق القفل مع المطلع في الوزن والقافية.
البيت: مجموعة القفل والدور تسمى ”البيت“.
الخرجة: آخر قفل في الموشح يسمى ”الخرجة“.
أغراض الموشحات: يتفق معظم النقاد على أن الموشحات تنظم في كل ما تنظم الأشعار الجاهلية. قال ابن سناء الملك في موضوعات الموشح: ”والموشحات يعمل فيها ما يعمل في أنواع الشعر من الغزل والمدح والرثاء والهجو والمجون والزهد.“ (ابن سناء الملك، دار الطراز في عمل الموشحات، ص ٣٨)
فمن أهم الموضوعات التي قال فيها الوشاحون: الغزل، والخمر، والمدح، والزهد، ووصف الطبيعة وغيرها. قال لسان الدين بن الخطيب في وصف الطبيعة:
جادك الغيث إذا الغيث همى
يا زمان الوصل بالأندلس
لم يكن وصلك إلا حلما
في الكرى أو خلسة المختلس
وطر ما فيه من عيب سوى
أنه مر كلحظ البصر
حين لذ الأنس مع حلو اللمى
هجم الصبح هجوم الحرس
غارت الشهب بنا أو ربما
أثرت فيها عيون النرجس
تعد الموشحات من أهم أنواع الشعر العربي التي نشأت وتطورت في الأندلس، فأضافت الموضوعات الجديدة إلى الشعر العربي، وأسهمت في إثراء الأدب العربي بمعان جديدة. ولا يزال هذا الفن يحتفظ بجماله وأناقته، ويطرب ويغنى في المناسبات والحفلات العربية إلى يومنا هذا.
انظر أيضا:









