واضح رشيد الحسني الندوي

واضح رشيد الحسني الندوي

واضح رشيد الحسني الندوي عالم كبير، وصحفي بارز، وأديب بارع من مواليد ٣ شعبان ١٣٥٢ه المصادف ١٩٣٢/٢٠/١١م في دائرة الشيخ علم الله، ببلدة راي بريلي، أترا براديش، الهند. كان ينتمي إلى أسرة نبيلة، حافلة بالعلماء الأجلاء، والصلحاء الكبار مثل العلامة عبد الحي الحسني الندوي، عبد العلي الحسني، أبو الحسن علي الحسني الندوي، رابع الحسني الندوي وغيرهم. كانت له علاقات أسرية مع الشيوخ العظام، حيث كان خاله السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي (رئيس العام لرابطة الأدب الإسلامي العالمية)، وشقيقه السيد رابع الحسني الندوي (الأمين العام السابق لدار العلوم ندوة العلماء) وغيرهما. ترعرع الشيخ وتربي في أسرة طيبة علمية قامت بخدمات جليلة، وإسهامات بارزة في نشر الدين الإسلامي في الهند وخارجها، كما كافحت التحديات الجديدة المناهضة للإسلام والمسلمين. 

”ولد الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي في أسرة كان شعارها منذ زمن طويل الجمع بين العقيدة السلفية النقية وبين الربانية الصحيحة، فتربي الأستاذ تحت إشراف خاله سماحة الإمام أبي الحسن علي الحسني الندوي ـ رحمه الله تعالى رحمة واسعة ـ، فاستقى من فكره النير، ونظرته الثاقبة، وغيرته الدينية، وحميته الإسلامية، وقلبه المشرق اليقظ، وفراسته الإيمانية، وحسه المرهف، وذوقه الرفيع، وأسلوبه الدعوي والتربوي الحكيم، وعقله المتفتح واتزانه في التأليف والنقد والتحليل، والاستنارة بنور القرآن وهديه والاستدلال به، فكان التوفيق حليفه في كل خطوة خطاها في الدعوة والتعليم والتربية، وفي مجال التأليف والإعلام.“ (إلى نظام عالمي جديد، واضح رشيد الحسني الندوي، كلمة تعريف وتقديم لنذر الحفيظ الندوي، ص ٢٣)

تلقى مبادئ الكتابة والقراءة في بيته، ثم درس في المدرسة الإلهية في قريته. ومن ثم انتقل إلى دار العلوم ندوة العلماء بلكناؤ، وتعلم العلوم العربية والإسلامية وتعمق فيها، وحصل على شهادة العالمية والتخصص في الأدب العربي من دار العلوم ندوة العلماء عام ١٩٥١م، كما أكمل شهادة الثانوية من المدرسة العصرية أيضا عام ١٩٥٣م. كذلك أخذ شهادة الليسانس من جامعة عليكرة الإسلامية في اللغة الإنجليزية مما زاد من علمه حول العلوم المختلفة، ووسع معارفه على الثقافات المتعددة. 

بدأ حياته المهنية في القسم العربي بإذاعة عموم الهند، دلهي ومكث فيها حوالي عقدين من ١٩٥٣م إلى ١٩٧٣م، حيث تدرج في مناصب عدة من خلال توظيفه فيها من المساعد والمراقب إلى المذيع والمترجم. ومن خلال قيامه فيها لمدة دامت لسنوات، اطلع على الآداب المختلفة، وطالع الكتب القديمة والحديثة، ونبغ في الصحافة، وتعمق في الأوضاع السياسية والاجتماعية مشارق الأرض ومغاربها. 

تنازل الشيخ عن منصبه بإذاعة عموم الهند، دلهي والتحق بدار العلوم ندوة العلماء بلكناؤ عام ١٩٧٣م على مشورة شيخ الحديث زكريا الكاندهلوي الذي كان يزوره مرات وكرات لطمأنينة قلبه وتزكية نفسه، وكرس جل حياته لخدمة الإسلام. تدرج العلامة في مناصب عدة في دار العلوم ندوة العلماء، مثل عميد كلية اللغة العربية وآدابها، ومدير للمعهد العالي للدعوة والفكر الإسلامي، ورئيس الشؤون التعليمية لدار العلوم ندوة العلماء بلكناؤ. 

إنه اشتغل بتعليم وتربية آلاف من الطلاب في دار العلوم ندوة العلماء، كما عمل إلى جانب ذلك كرئيس التحرير لمجلة ”الرائد“، ورئيس التحرير المشارك لمجلة ”البعث الإسلامي“ الصادرتين عن دار العلوم ندوة العلماء بلكناؤ. 

المناصب:

  • رئيس الشؤون التعليمية لندوة العلماء لكناؤ في عام ٢٠٠٦م
  • رئيس التحرير لصحيفة ”الرائد“ لكناؤ
  • رئيس التحرير المشارك في مجلة البعث الإسلامي، لكناؤ
  • الأمين العام المساعد لمجلس أمناء رابطة الأدب الإسلامي العالمية
  • سكرتير المجمع الإسلامي العلمي بندوة العلماء، لكناؤ
  • عضو مجمع أبي الكلام آزاد بلكناؤ
  • عضو الهيئة الاستشارية لدار العلوم بستي، يوبي، الهند
  • الرئيس العام لمدرسة فلاح المسلمين، أمين نجر، رائي بريلي، يوبي، الهند
  • نائب رئيس دار عرفات، رائي بريلي، يوبي، الهند

مؤلفاته:

  1. أدب الصحوة الإسلامية
  2. تاريخ الثقافة الإسلامية
  3. تاريخ الأدب العربي، العصر الجاهلي
  4. مصادر الأدب العربي
  5. أعلام الأدب العربي في العصر الحديث
  6. المسحة الأدبية في كتابات الشيخ أبي الحسن الندوي
  7. الدعوة الإسلامية ومناهجها في الهند
  8. لمحات من السيرة النبوية والأدب النبوي
  9. إلى نظام عالمي جديد
  10. من قضايا الفكر الإسلامي: الغزو الفكري
  11. صور وأوضاع
  12. من صناعة الموت إلى صناعة القرارات

دوره في الصحافة العربية في الهند:

كانت شخصية العلامة واضح رشيد الحسني الندوي متعددة الجوانب حيث كان عالما كبيرا، وأديبا بارعا، وأستاذا مشفقا، ومربيا جليلا. ولكن إسهاماته في الصحافة العربية في الهند تحتل مكانا مرموقا. كان العلامة قد اشتغل بالإعلام حوالي عقدين، قرأ من خلالها تقريرات سياسية، وترجم الخطب العلمية، ونشر البرامج السياسية، والتقى بسياسيين بارزين، واطلع على الأحداث والوقائع التي كانت تجري في العرب والغرب. فكان يكتب التقريرات السياسية، وينشر الانتقادات اللاذعة، ويبث الخطب التي تكشف عن دعايات الغرب وسياساتها، ويذيع الأفكار التي تبرز الإسلام بديلا لجميع التحديات والسياسات. 

”لا شك أن الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي يعتبر من أولئك الأشخاص المعدودين الذين أدركوا أخطار الغرب الفكرية البعيدة المدى… فقام بتشريح جثة الغرب الفكرية تشريحا علميا حتى وصل إلى قاع البحر الزاخر العاتي، وكشف عن أهداف الغرب الحقيقية والمخططات الاستعمارية التي تبذل كل الوسائل والمواهب والطاقات للقضاء على القيم الإنسانية. قام الأستاذ الندوي بتحليل الفكر الغربي وفلسفته المادية تحليلا علميا، موضوعيا دقيقا، مبنيا على الدلائل والبراهين القوية والدراسة العميقة للتاريخ الغربي الديني، والسياسي، والحضاري…“ (إلى نظام عالمي جديد، واضح رشيد الحسني الندوي، كلمة تعريف وتقديم لنذر الحفيظ الندوي، ص ١٩)

وأثناء رئاسته لمجلة ”البعث الإسلامي“ كان ينشر عنوانا خاصا باسم ”صور وأوضاع“ يناقش فيها الأحوال الإقليمية والعالمية، والأوضاع السياسية والاجتماعية، حتى كان الصحفيون العرب الذين كانوا يلمون بأنباء الهند يتوجهون إلى مقالاته ويستفيدون بها. كذلك كانت تعتبر مقالاته وكتاباته عن العالم العربي وأوضاعها أصدق مصدرا وأكثر مصداقية في الهند. 

(وكان من أهم ميزات الأستاذ الراحل ـ صحافيا ـ استقلاله الفكري وأصالته في اتخاذ المواقف وتصديه الجريء للدفاع عن قضايا الحق، ودعمه لمواقفه بالأدلة الكافية لدحض مزاعم الخصوم. وهكذا نجده يعيش قضايا الأمة والإنسانية من خلال تحليلها واقعيا، باحثا عن الحقيقة، معلنا عن ولائه لها، دون حسبان للمناصرين أو المعارضين لموقفه مادام مدعوما بالحقيقة الموضوعية.“ (الرائد، شيخ الصحافة العربية في الهند، عبد الماجد قاضي، العدد فبراير ومارس ٢٠١٩، ص ٧٧) 

رحلاته:

كان الشيخ واضح رشيد الحسني الندوي يمتاز بسعة علمه، وعمق فكره، وغزارة قوته، فكان يأخذه خاله السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي إلى أماكن مختلفة داخل الهند وخارجها، ومن أهم رحلاته السفر إلى البلدان العربية والإسلامية الذي كان يشتمل على ٥ بلدان، وهي المملكة العربية السعودية، والأردن، والكويت، واليمن وباكستان. كذلك شارك العلامة في مؤتمرات وطنية وعالمية في مختلف البلدان العربية وغير العربية  منها: تركيا، ومصر، والمملكة المتحدة، وعمان، والإمارات العربية المتحدة، وبنجلاديش وغيرها.

أقوال العلماء فيه:

قال حسن الأمراني الحسني، عضو الهيئة التأسيسية لرابطة الأدب الإسلامي العالمية:

”ولقد كان الفقيد رحمه الله، كما عرفته، فارس الكلمة، وصاحب القلم الفذ، كما كان نعم المجسد للأخلاق الفاضلة، والشيم الرفيعة، والرجل الشهم، المتواضع، والودود، المجاهد، الصابر، العالم، الأديب…“ (الرائد، رسائل التعازي، حسن الأمراني الحسني، العدد فبراير ومارس ٢٠١٩، ص ٩) 

قال أبو لبابة الطاهر صالح حسين، رئيس جامعة الزيتونة سابقا:

”إنه العلامة الأديب الداعية المصلح فضيلة الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي ـ طيب الله ثراه ـ ففقدت بفقده ركنا من أركان نهضتها المعاصرة، وعلما من أعلامها البارزين، فقد تميز بحميته الدينية وغيرته الإيمانية، وحبه لأمته وإخلاصه لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتوقيره لصحابته الأخيار. فقد عاش حياته منافحا عن الإسلام ناشرا الوعي، محركا السواكن، ساعيا لتحصين شباب الإسلام وناشئته مما يحاك له من مخاطر التغريب والضلال والضياع.“ (الرائد، العلامة المصلح الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي، أبو لبابة الطاهر صالح حسين، العدد فبراير ومارس ٢٠١٩، ص ٥٠) 

نقل الدكتور شمس الدين من الدكتور إشفاق أحمد ندوي:

”هو صحافي شهير، ومحلل سياسي كبير، ومترجم قدير، ومتضلع من اللغة العربية، وراسخ في الأدب العربي القديم والحديث، وله اطلاع تام على الفنون الأدبية، وهو متقن للغة الإنجليزية التي ساعدته في توسيع ثقافته الغربية وسياستها وعلومها الأدبية والفنية، وهو أيضا من أشهر الصحفيين الهنود باللغة العربية، وله أسلوب ممتاز في الصحافة، فهو يقدم تحليلا سياسيا لقضية من القضايا الساخنة من منظور إسلامي وصحافي فني، ولا يبدو من كتابته أنه شخص ديني لا يعرف إلا الإسلام وتعاليمه، بل يعرف العلوم الشرقية، والغربية المختلفة ومطلع على ما يحدث حوله من تغيير سياسي وانقلاب أدبي.“ (الرائد، الأستاذ الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي رحمه الله، الدكتور شمس الدين درمش، العدد فبراير ومارس ٢٠١٩، ص ١٧) 

الاقتباسات من كتبه:

”كلما حاول الإنسان المعاصر أن ينسى ما تكبد به مآس ومجازر وإهانة وقتل وتشريد، نتيجة لسيطرة الدول الأوربية، وسيادتها على العالم، وما قاساه من تضليل وتغرير، وتسفيه للأحلام واستعباد للعقول، نتيجة لغلبة العقل الأوربي، كلما حاول أن ينسى ذلك أو يتناسى تجددت تلك الذكريات المفزعة للتجربة مع الحكم الغربي الاستعماري بتصرفات وإجراءات من دولة من الدول الأوربية الاستعمارية، وعادت العقارب السامة إلى عهدها السابق، وذاكرة الإنسان إلى العهود الغابرة كأنه لم يقطع مسافة من الزمن.“ (إلى نظام عالمي جديد، واضح رشيد الحسني الندوي، ص ١٢٧)

”إن الإنسان المثالي في نظر الإسلام هو المؤمن الصالح المصلح الذي يسخر القوى الكونية والمادية، والأسباب والوسائل المهيأة له، وعقله وعلمه الذي وهبه الله تعالى؛ لخدمة الإنسان، ويوجه مساعيه لإقرار العدل، ومكافحة الظلم، وإقرار حاكمية الله، وهو في أوج قوته، وسلطنته وسيادته، وتسخيره للقوى والأسباب، مؤمن بربه، خاضع له، مؤمن بالآخرة، ساع لها، مقر بضعفه، رحيم بالإنسانية، وبالأمم الضعيفة، حام للحق، يستخدم كل قوته وجهوده، ومواهبه لخدمة الإنسانية وتكوين المجتمع الصالح، وإعلاء كلمة الله، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وقاف عند حدود الله والقرآن وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وهديه…“ (صور وأوضاع، واضح رشيد الحسني الندوي، ص ٢١٤)

وفاته:

انتقل العلامة واضح رشيد الحسني الندوي إلى جوار رحمة الله تعالى في ١٠ جماد الأولى ١٤٤٠ه ـ الموافق ١٦ يناير ٢٠١٩م، وغربت الشمس التي كانت تضيئ الدروب، وتنير القلوب. ففقدت الأمة الإسلامية عالما من العلماء الكبار، وعلما من الأعلام، ونابغة من النبغاء، وعبقريا من العباقرة، وعملاقا من العمالقة. 

قال محمد أرشد بن عبد الغفور في رثاء العلامة:

جرى من عيون الكون ما هو واضح

يعذبنا جرح بفقدك واضح

وكان لنا في ظلمة الليل هاديا

وفي أسطر الأقلام فكرا يكافح

له في سماء الهند صوت أذاعه

إذاعة كل الهند والسمع شارح

سيتلى على سمع الزمان تراثه

وتشدوا بذكراه الطيور الصوادح

وكنت لنا في الدهر كالشمس واضحا

وكالبدر في الأعلام نورا يصافح

ظللت لعز النفس كالسيف صارما

يفل به للهود في الزيف جامح

فقدنا أديبا ألمعيا وكاتبا

قديرا له في الفكر تزهو الملامح

فقدنا وأهل العلم، تاج رؤوسنا

وكان سماء الفضل دوما يناطح

Scroll to Top